الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن أيوب بن حبيب مولى سعد بن أبي وقاص عن أبي المثنى الجهني أنه قال كنت عند مروان بن الحكم فدخل عليه أبو سعيد الخدري فقال له مروان بن الحكم أسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النفخ في الشراب فقال له أبو سعيد نعم فقال له رجل يا رسول الله إني لا أروى من نفس واحد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبن القدح عن فاك ثم تنفس قال فإني أرى القذاة فيه قال فأهرقها

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1718 1668 - ( مالك عن أيوب بن حبيب ) الزهري المدني ( مولى سعد بن أبي وقاص ) ، ثقة ، روى عنه أيضا فليح ، وعباد بن إسحاق ، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة ، له مرفوعا في الموطأ هذا الحديث الواحد ، ( عن أبي المثنى الجهني ) المدني ، تابعي مقبول ، قال ابن عبد البر : لم أقف على اسمه ، ( قال : كنت عند مروان بن الحكم ) الأموي ، ( فدخل عليه أبو سعيد ) سعد بن مالك بن سنان ( الخدري ، فقال مروان ) بن الحكم : ( أسمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن النفخ في الشراب ؟ ) ، قال الباجي : لئلا يقع من ريقه فيه شيء ، فيقذره ، وقد بعث - صلى الله عليه وسلم - ليتمم مكارم الأخلاق .

                                                                                                          وقال غيره : لأنه قد يتغير الماء من النفخ ، لكونه متغير الفم بمأكول ، أو كثرة كلام ، أو بعد عهده بالسواك والمضمضة ، أو لأنه يصعد ببخار المعدة فتعافه النفوس .

                                                                                                          ( فقال له أبو سعيد : نعم ) ، نهى عن ذلك ، ففيه أن نعم تقوم مقام الإخبار ، وزاده في الجواب لأنه من معنى السؤال بقوله : ( فقال له رجل : يا رسول الله إني لا أروى من نفس ) - بفتحتين - ( واحد ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فأبن ) أمر من الإبانة ، أي أبعد ( القدح ) : الإناء الذي تشرب [ ص: 463 ] منه ( عن فيك ) عند الشرب ندبا ، ولا تشرب كالبعير ، فإنه يتنفس عند الشرب فيه .

                                                                                                          ( ثم تنفس ) فإنه أحفظ للحرمة وأنفى للنهمة ، وأبعد عن تغير الماء ، وأصون عن سقوط الريق فيه ، وأبعد عن التشبه بالبهائم في كرعها ، فالتشبه بها مكروه شرعا وطبعا .

                                                                                                          بقي هنا شيء ينبغي التفطن له ، وهو أن الأمر بإبانة القدح إنما يخاطب به من لم يرو من نفس واحد بغير عب ، وإلا فلا إبانة ، قاله في المفهم .

                                                                                                          وفي التمهيد عن مالك : فيه إباحة الشرب من نفس واحد ; لأنه لم ينه الرجل عنه ، بل قال له ما معناه : إن كنت لا تروى من واحد ، فأبن القدح ، انتهى .

                                                                                                          وقيل : يكره مطلقا ; لأنه شرب الشيطان ، ولأنه من فعل البهائم .

                                                                                                          وللترمذي عن ابن عباس رفعه : " لا تشربوا واحدة كشرب البعير ، ولكن اشربوا مثنى وثلاث ، وسموا إذا أنتم شربتم ، واحمدوا إذا أنتم رفعتم " ، قال الترمذي : فيه أنه لا بأس بالشرب في نفسين ، وإن كان الأولى كونه ثلاثا .

                                                                                                          وفي مسلم عن أبي هريرة : " كان - صلى الله عليه وسلم - يتنفس في الشراب ثلاثا " ، وفي الترمذي عن ابن عباس : " كان - صلى الله عليه وسلم - إذا شرب تنفس مرتين " ، وإسناده ضعيف لكن له شواهد ، ففعله في بعض الأحيان لجواز النقص عن ثلاث ، ويحتمل أنه أراد مرتي التنفس الواقعتين أثناء الشرب ، وأسقط الثالثة ، لأنها بعد الشرب فهي من ضرورة الواقع ، وأما حديث زيد بن أرقم : " كان شربه - صلى الله عليه وسلم - بنفس واحد " ، رواه أبو الشيخ ، وحديث أبي قتادة مرفوعا : " إذا شرب أحدكم فليشرب بنفس واحد " ، رواه الحاكم وصححه ، فمحمولان على ترك التنفس في الإناء .

                                                                                                          ( قال ) الرجل : ( فإني أرى القذاة ) : عود أو شيء يتأذى به الشارب يقع ( فيه ) ، أي القدح .

                                                                                                          ( قال ) - صلى الله عليه وسلم - : ( فأهرقها ) : صبها منه ، وهذا الحديث رواه الترمذي ، وقال حسن صحيح من طريق عيسى بن يونس عن مالك به .




                                                                                                          الخدمات العلمية