الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب بيع المدبر

                                                                                                          قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في المدبر أن صاحبه لا يبيعه ولا يحوله عن موضعه الذي وضعه فيه وأنه إن رهق سيده دين فإن غرماءه لا يقدرون على بيعه ما عاش سيده فإن مات سيده ولا دين عليه فهو في ثلثه لأنه استثنى عليه عمله ما عاش فليس له أن يخدمه حياته ثم يعتقه على ورثته إذا مات من رأس ماله وإن مات سيد المدبر ولا مال له غيره عتق ثلثه وكان ثلثاه لورثته فإن مات سيد المدبر وعليه دين محيط بالمدبر بيع في دينه لأنه إنما يعتق في الثلث قال فإن كان الدين لا يحيط إلا بنصف العبد بيع نصفه للدين ثم عتق ثلث ما بقي بعد الدين قال مالك لا يجوز بيع المدبر ولا يجوز لأحد أن يشتريه إلا أن يشتري المدبر نفسه من سيده فيكون ذلك جائزا له أو يعطي أحد سيد المدبر مالا ويعتقه سيده الذي دبره فذلك يجوز له أيضا قال مالك وولاؤه لسيده الذي دبره قال مالك لا يجوز بيع خدمة المدبر لأنه غرر إذ لا يدرى كم يعيش سيده فذلك غرر لا يصلح وقال مالك في العبد يكون بين الرجلين فيدبر أحدهما حصته إنهما يتقاومانه فإن اشتراه الذي دبره كان مدبرا كله وإن لم يشتره انتقض تدبيره إلا أن يشاء الذي بقي له فيه الرق أن يعطيه شريكه الذي دبره بقيمته فإن أعطاه إياه بقيمته لزمه ذلك وكان مدبرا كله وقال مالك في رجل نصراني دبر عبدا له نصرانيا فأسلم العبد قال مالك يحال بينه وبين العبد ويخارج على سيده النصراني ولا يباع عليه حتى يتبين أمره فإن هلك النصراني وعليه دين قضي دينه من ثمن المدبر إلا أن يكون في ماله ما يحمل الدين فيعتق المدبر [ ص: 211 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 211 ] 5 - باب بيع المدبر

                                                                                                          - ( مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا في المدبر أن صاحبه لا يبيعه ولا يحوله عن موضعه الذي وضعه فيه ) بنحو هبة أو صدقة ، وبهذا قال جمهور العلماء والسلف من الحجازيين والشاميين والكوفيين ; لحديث ابن عمر رفعه : " المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من الثلث " . أخرجه الدارقطني ، وضعفه هو وابن عبد البر وغيرهما ، وقالوا : الصحيح أنه موقوف على ابن عمر لكنه اعتضد بإجماع أهل المدينة عليه . وحديث الصحيحين عن جابر قال : " أعتق رجل منا عبدا له عن دبر ولم يكن له مال غيره ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فباعه ، فاشتراه نعيم بن النحام بثمانمائة فدفعها إليه " . أجيب عنه بأنه إنما باعه ؛ لأنه كان عليه دين . ففي رواية النسائي للحديث زيادة وهي : كان عليه دين وفيه فأعطاها ، فقال : اقض دينك .

                                                                                                          ولا يعارضه رواية مسلم ، فقال : ابدأ بنفسك فتصدق عليها . لأن من جملة صدقته عليها قضاء دينه . وحاصل الجواب أنها واقعة عين لا عموم لها ، فتحمل على بعض الصور وهو تخصيص الجواز بما إذا كان عليه دين ، وورد كذلك في بعض طرق الحديث عند النسائي ، أي فتعين المصير لذلك .

                                                                                                          ( وإنه إن رهق ) بكسر الهاء ، أي غشى ( سيده دين ) بعد التدبير ( فإن غرماءه لا يقدرون على بيعه ما عاش سيده ، فإن مات سيده ولا دين عليه فهو في ثلثه ; لأنه استثنى عليه عمله ما عاش ، فليس له أن يخدمه حياته ثم يعتقه على ورثته إذا مات من رأس ماله ) لأنه يظلمهم لو كان كذلك . ( وإن مات سيد المدبر ولا مال له غيره عتق ثلثه ، وكان ثلثاه لورثته ) لأن التدبير في الثلث . ( فإن مات سيد المدبر وعليه دين يحيط بالمدبر ، بيع في دينه لأنه إنما يعتق في الثلث ) والمحيط لا ثلث له ( فإن كان الدين لا يحيط إلا بنصف العبد ، بيع نصفه للدين [ ص: 212 ] ثم عتق ثلث ما بقي بعد الدين ) وهو سدسه ويرق الثلث للورثة .

                                                                                                          ( قال مالك : لا يجوز ) أي يحرم ( بيع المدبر ) لأن فيه إرقاقه بعد جريان شائبة الحرية فيه ، والشرع متشوف للحرية . ( ولا يجوز لأحد أن يشتريه ) ذكره ، وإن علم من لفظ بيع لقوله : ( إلا أن يشتري المدبر نفسه من سيده فيكون ذلك جائزا له ) لأنه إذا ملك نفسه عتق ناجزا وهو خير من التدبير ( أو يعطي أحد سيد المدبر مالا ويعتقه سيده الذي دبره ، فذلك يجوز له أيضا ) لتنجيز العتق ( وولاؤه لسيده الذي دبره ) لأنه الذي عقد ذلك لا لمن أعطى المال ; لأنه ليس ببيع وإنما هو على التنجيز ، ولذا كان الولاء له .

                                                                                                          ( ولا يجوز بيع خدمة المدبر ; لأنه غرر إذ لا يدري كم يعيش سيده فذلك غرر لا يصلح ) من الصلاح ضد الفساد ، فهو باطل لفساده بالغرر ، ولذا تعقب من أجاب عن حديث بيع النبي صلى الله عليه وسلم المدبر بأنه لم يبع رقبته ، وإنما باع خدمته لأن المانعين من بيع رقبته لا يجيزون بيع خدمته أيضا ، وما روي عن أبي جعفر : إنما باع صلى الله عليه وسلم خدمة المدبر . مرسل ضعيف لا حجة فيه ، وروي عنه موصولا ولا يصح به .

                                                                                                          ( مالك : في العبد يكون بين الرجلين فيدبر أحدهما حصته : أنهما يتقاومانه فإن اشتراه الذي دبره كان مدبرا كله وإن لم يشتره ) بل اشتراه شريكه ( انتقض تدبيره ) مراعاة لحق الشريك ، وهذا أمر جر إليه حكم التقويم فليس يناقض قوله : لا يجوز بيع المدبر كما زعم ( إلا أن يشاء الذي بقي له فيه الرق أن يعطيه شريكه الذي دبره بقيمته ، فإن أعطاه إياه بقيمته لزمه ذلك ، وكان مدبرا كله ) فإن [ ص: 213 ] مات مدبر نصفه عتق نصفه ولم يقوم النصف لأنه صار للورثة ( وفي رجل نصراني دبر عبدا له نصرانيا فأسلم العبد ، قال مالك : يحال بينه وبين العبد ) لئلا يستخدم الكافر المسلم . ( ويخارج على ) أي يجعل له عليه خراج ( ولا يباع عليه ) لأنه جرى فيه عقد حرية ( حتى يتبين أمره ، فإن هلك النصراني وعليه دين قضي دينه من ثمن المدبر ، إلا أن يكون في ماله ما يحمل الدين ) يسعه ( فيعتق المدبر ) من ثلث الباقي .




                                                                                                          الخدمات العلمية