الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1681 1631 - ( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس الشديد ) أي القوي ( بالصرعة ) بضم الصاد المهملة وفتح الراء ، أي : الذي يكثر منه صرع الناس ، قال الباجي : ولم يرد نفي الشدة عنه فإنه يعلم بالضرورة شدته ، وإنما أراد أنه ليس بالنهاية في الشدة منه الذي يملك نفسه عند الغضب أو أراد أنها شدة ليس لها كبير منفعة ، وإنما الشدة التي ينتفع بها شدة الذي يملك نفسه عند الغضب كقولهم : لا كريم إلا يوسف ، لم يرد به نفي الكرم عن غيره وإنما أريد إثبات مزية له في الكرم .

                                                                                                          وكذا : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا شجاع إلا علي انتهى .

                                                                                                          فالنفي للمبالغة ، أي : ليس القوي الذي يصرع أبطال الرجال ويلقيهم إلى الأرض بقوة ( إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) بأن لا يفعل موجبات الغضب فإنه إذا ملكها كان هو الشديد الكامل لأنه قهر أكبر أعدائه إذ من عداها أذاه دونها لأنها موجبة لعقوبة الله ، وأقلها أشد من عقوبات الدنيا وقهر شر خصومه لخبر : " أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك " وهذا من الألفاظ التي نقلت عن موضوعها اللغوي لضرب من المجاز والتوسع وهو من فصيح الكلام وبليغه ، لأنه لما كان الغضبان بحالة شديدة من الغيظ وقد ثارت عليه شدة من الغضب فقهرها بحلمه وصرعها بثباته وعدم عمله بمقتضى الغضب كان كالصرعة الذي يصرع الرجال ولا يصرعونه ، والهاء للمبالغة في الصفة ، وكل ما جاء بهذا الوزن بالضم والفتح كهمزة ولمزة وحفظة وضحكة وخدعة ، والصرعة بسكون الراء بالعكس وهو من يصرعه غيره كثيرا ، وكل ما جاء بهذا الوزن بالضم والسكون كهمزة وما بعده .

                                                                                                          قال ابن التين : ضبطنا الصرعة بفتح الراء ، وقرأه بعضهم بسكونها وليس بشيء لأنه عكس المطلوب ، قال : وضبط أيضا في بعض الكتب بفتح الصاد وليس بشيء .

                                                                                                          وفي مسلم عن ابن مسعود مرفوعا : " ما تعدون الصرعة فيكم ؟ قالوا : الذي لا تصرعه الرجال " وعند البزار بإسناد حسن عن أنس : " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يصطرعون فقال : ما هذا ؟ فقالوا : فلان ما يصارع أحدا إلا صرعه ، قال : أفلا أدلكم على [ ص: 411 ] ما هو أشد منه ؟ رجل كلمه رجل وكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطانه صاحبه " وعند ابن حبان مرفوعا : " ليس الشديد من غلب الناس إنما الشديد من غلب نفسه " وحديث الباب أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وعبد الأعلى بن حماد ، ثلاثتهم عن مالك به .




                                                                                                          الخدمات العلمية