الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1345 757 - (1343) - (1 \ 156) عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة سوقا ما فيها بيع ولا شراء ، إلا الصور من النساء والرجال ، فإذا اشتهى الرجل صورة ، دخل فيها ، وإن فيها لمجمعا للحور العين يرفعن أصواتا لم ير الخلائق مثلها ، يقلن : نحن الخالدات فلا نبيد ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، ونحن الناعمات فلا نبؤس ، فطوبى لمن كان لنا وكنا له " .

التالي السابق


* قوله : "إن في الجنة سوقا " : قيل : المراد بالسوق : المجمع يجتمع فيه أهل الجنة في كل مقدار أسبوع .

* "ما فيها " : أي : في السوق ، وهو يذكر ويؤنث .

[ ص: 54 ] * "إلا الصور " : استثناء منقطع ، أو متصل ; بأن يجعل تبديل الهيئات والأشكال من جنس البيع والشراء مجازا .

* "دخل فيها " : أي : تصور بها ، وتشكل بها ; أي : كل صورة حسنة وشكل مطبوع اشتهى الإنسان أن يكون عليه ، بدل الله صورتها مع بقاء الذات ، كذا ذكره العلامة عبد الحق في "شرح المشكاة " .

وقال الطيبي : قيل : يحتمل الحديث معنيين :

أحدهما : أن يكون معناه عرض الصور المستحسنة عليه ، فإذا تمنى صورة منها صوره الله - سبحانه وتعالى - بشكل تلك الصورة بقدرته .

والثاني : أن المراد من الصورة : الزينة التي يتزين بها الشخص في تلك السوق ، ويختار لنفسه من الحلي والحلل والتاج ، يقال : لفلان صورة حسنة ; أي : شارة حسنة ، وهيئة مليحة .

وعلى الوجهين ، فالتغيير في الصفة لا في الذات ، ويمكن الجمع بين المعنيين لتوافق حديث أنس : "فتهب ريح الشمال ، فتحثو في وجوههم وثيابهم ، فيزدادون حسنا وجمالا ، الحديث " ، انتهى .

ثم الحديث من "زوائد عبد الله" كما نبه عليه الحافظ في "القول المسدد" وغيره ، وقد عده ابن الجوزي في "الموضوعات " ، وقال : هذا حديث لا يصح ، والمتهم به عبد الرحمن بن إسحاق ، وهو أبو شيبة الواسطي ، قال أحمد : ليس بشيء ، منكر الحديث ، وقال يحيى : متروك ، قال الحافظ : قد أخرجه الترمذي من طريقه ، وقال : غريب ، وقد حسن الترمذي لعبد الرحمن بن إسحاق هذا حديثا آخر غير هذا ، مع قوله : إنه تكلم فيه من قبل حفظه ، وصحح له الحاكم حديثا آخر ، وأخرج له ابن خزيمة في "صحيحه " ، لكن قال : في القلب منه

[ ص: 55 ] شيء ، وله شاهد من حديث جابر أخرجه الطبراني في "الأوسط " ، ولفظه : "إن في الجنة لسوقا لا يباع فيها ولا يشترى ، وليس فيها إلا الصور ، فمن أحب صورة من رجل أو امرأة ، دخل فيها " ، وفي إسناده جابر بن يزيد الجعفي ، وهو ضعيف ، والمستغرب منه قوله : "دخل فيها " : والذي يظهر لي أن المراد أن صورته تتغير ، فتصير شبيهة بتلك الصور ، لا أنه دخل فيها حقيقة ، أو المراد بالصورة : الشكل والهيئة والبزة ، وأصل سوق الجنة من غير تعرض لذكر الصور في "صحيح مسلم" من حديث أنس .

وفي الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ، والله تعالى أعلم .

* * *




الخدمات العلمية