الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وما اتفقا ) يعني الخصمين ( عليه ) من حكم أصل ، لكن ( لعلتين مختلفتين ) فهو قياس مركب ( ويسمى ) هذا ( مركب الأصل ) سمي بذلك لاختلافهما في تركيب الحكم فالمستدل يركب العلة على الحكم ، والخصم بخلافه . قال القاضي عضد الدين : والظاهر أنه إنما سمي مركبا لإثباتهما الحكم كل بقياس ، فقد اجتمع قياساهما ثم إن الأول اتفقا فيه على الحكم ، وهو الأصل بالاصطلاح دون الوصف الذي يعلل به المستدل فسمي مركب الأصل " وقال ابن مفلح : " قيل : سمي مركبا لاختلافهما في علته وقيل : في تركيبه الحكم عليها [ ص: 487 ] في الأصل فعند المستدل : هي فرع له ، والمعترض بالعكس وسمي مركب الأصل للنظر في علة حكمه . انتهى . وإن كان الخصم موافقا على العلة ، ولكن يمنع وجودها في الأصل وذلك ما أشير إليه بقوله ( أو لعلة يمنع الخصم وجودها في الأصل و ) هذا ( يسمى مركب الوصف ) سمي بذلك لاختلافهما في نفس الوصف الجامع .

مثال الأول - وهو مركب الأصل - قول الحنبلي ، فيما إذا قتل الحر عبدا : المقتول عبد ، فلا يقتل به الحر ، كالمكاتب إذا قتل وترك وفاء ووارثا مع المولى فإن أبا حنيفة يقول هنا : إنه لا قصاص ، فيلحق العبد به هنا ، بجامع الرق ، فلا يحتاج الحنبلي فيه إلى إقامة دليل على عدم القصاص في هذه الصورة ; لموافقة خصمه ، فيقول الحنفي في منع ذلك : إن العلة إنما هي جهالة المستحق من السيد والورثة ، لا الرق ; لأن السيد والوارث ، وإن اجتمعا على طلب القصاص لا يزول الاشتباه ; لاختلاف الصحابة في مكاتب يموت عن وفاء قال بعضهم : يموت عبدا ، وتبطل الكتابة وقال بعضهم : تؤدى الكتابة من أكسابه ، ويحكم بعتقه في آخر جزء من حياته فقد اشتبه الولي مع هذا الاختلاف ، فامتنع القصاص .

فإن اعترض عليهم بأنكم لا بد أن تحكموا في هذه الحالة بأحد هذين القولين ، إما بموته عبدا أو حرا وأيا ما كان فالمستحق معلوم فيقول الحنفي : نحن نحكم بموته حرا ، بمعنى أنه يورث ، لا بمعنى وجوب القصاص على قاتله الحر ; لأن حكمنا بموته حرا ظني ; لاختلاف الصحابة رضي الله عنهم ، والقصاص ينتفي بالشبهة . فهذه جهالة تصلح لدرء القصاص ، ولا يمتنع علمنا بمستحق الإرث .

ومثال الثاني - وهو مركب الوصف - أن يقال في مسألة تعليق الطلاق قبل النكاح : هذا تعليق للطلاق ، فلا يصح كما لو قال : زينب التي أتزوجها طالق . فيقول الحنفي : العلة التي هي كونه تعليقا مفقودة في الأصل ; فإن قوله : زينب التي أتزوجها طالق تنجيز لا تعليق فإن صح هذا : بطل إلحاق التعليق به لعدم الجامع ; وإلا منع حكم الأصل ، وهو عدم الوقوع في قوله : زينب التي أتزوجها طالق ; لأني إنما منعت الوقوع ; لأنه تنجيز ، فلو كان تعليقا لقلت به وحاصله : [ ص: 488 ] أن الخصم في هذه الصورة لا ينفك عن منع العلة في الأصل ، كما لو لم يكن التعليق ثابتا فيه ، أو منع حكم الأصل ، كما إذا كان ثابتا ، وعلى التقديرين : لا يتم القصاص وقوله ( ليس بحجة ) خبر لقوله ( وما اتفقا عليه ) .

ومعنى ذلك : أن القياس المسمى مركب الأصل ، والقياس المسمى مركب الوصف ، ليس كل منهما بحجة عندنا وعند الأكثر أما الأول : فلأن الخصم لا ينفك عن منع العلة في الفرع أو منع الحكم في الأصل فلا يتم القياس وأما الثاني : فلأنه لا ينفك عن منع الأصل ، كما لو لم يكن التعليق ثابتا فيه ، أو منع حكم الأصل إذا كان ثابتا وعلى التقديرين : لا يتم القياس ( و ) قال ابن الحاجب وجماعة كثيرة ( لو سلمها ) أي سلم الخصم العلة للمستدل أنها التي ذكرها المستدل ( فأثبت المستدل وجودها ) فيما اختلفوا فيه ( أو سلمه ) أي سلم وجودها ( الخصم ) حيث اختلفوا فيه ( انتهض الدليل ) عليه ، لتسليمه في الثاني ، وقيام الدليل عليه في الأول وذلك كما لو كان مجتهدا ، أو غلب على ظنه صحة القياس فإنه لا يكابر نفسه فيما أوجبه عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية