الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والأمر ب ) شيء ( معين ) ( نهي عن ضده ) أي ضد ذلك المعين ( معنى ) أي من جهة المعنى ، لا من جهة اللفظ عند أصحابنا والأئمة الثلاثة ، وذكره أبو الخطاب عن الفقهاء ، وقاله الكعبي وأبو الحسين المعتزلي . قال القاضي وغيره : بناء على أصلنا أن مطلق الأمر للفور ، وعن باقي المعتزلة : ليس نهيا عن ضده ، بناء على أصلهم في اعتبار إرادة الناهي ، وليست معلومة . وقطع به النووي في الروضة في كتاب الطلاق . لأن القائل " اسكن " قد يكون غافلا عن ضد السكون وهو الحركة ، فليس عينه ولا يتضمنه .

وعند الأشعرية : الأمر معنى في النفس . فقال بعضهم : هو عين النهي عن ضده الوجودي ، وهو قول الأشعري . قال أبو حامد : بنى الأشعري ذلك على أن الأمر لا صيغة له ، وإنما هو معنى قائم بالنفس ، فالأمر عندهم هو نفس النهي من هذا الوجه ، أي فاتصافه بكونه أمرا ونهيا كاتصاف الكون الواحد بكونه قريبا من شيء بعيدا من شيء . وقال ابن الصباغ وأبو الطيب والشيرازي : إنه ليس عين النهي ، ولكنه يتضمنه ويستلزمه من طريق المعنى . ونقل هذا عن أكثر الفقهاء ، واختاره الآمدي ، إلا أن يقول بتكليف المحال . وقال أبو المعالي والغزالي وإلكيا الهراسي : إنه ليس عين المنهي عن ضده ولا يقتضيه . وللقاضي أبي بكر الباقلاني [ ص: 331 ] الأقوال الثلاثة المتقدمة . وعند الرازي في المحصول : يقتضي الكراهة ; لأن النهي لما لم يكن مقصودا سمي اقتضاء لأنه ضروري ; فيثبت به أقل ما يثبت بالنهي وهو الكراهة . والمراد بالضد هنا الوجودي . وذلك لأنه هو من لوازم نقيض الشيء المأمور به ( وكذا العكس ) يعني أن النهي عن شيء يكون أمرا بضده ثم إنه قد يكون للمأمور ضد واحد ، كالأمر بالإيمان . فإنه نهي عن الكفر . وقد يكون للمنهي عنه ضد واحد ، كالنهي عن صوم يوم العيد ، فإنه أمر بفطره . وقد يكون لكل واحد منهما أضداد ، وهو المشار إليه بقوله ( ولو تعدد ضد ) وذلك كالأمر بالقيام ، فإن له أضدادا من قعود وركوع وسجود واضطجاع . ووجه ذلك أن أمر الإيجاب طلب فعل يذم تاركه إجماعا ، ولا ذم إلا على فعل ، وهو الكف عن المأمور به ، أو الضد . فيستلزم النهي عن ضده ، أو النهي عن الكف عنه .

ورده القائل بأن الأمر بمعين لا يكون نهيا عن ضده بأن الذم على الترك بدليل خارجي عن الأمر . وإن سلم فالنهي طلب كف عن فعل لا عن كف ، وإلا لزم تصور الكف عن الكف لكل أمر والواقع خلافه ، وفي هذا الرد نظر ومنع ، ولأن المأمور به لا يتم إلا بترك ضده ، فيكون مطلوبا . وهو معنى النهي . والخلاف في كون النهي عن شيء لا يكون أمرا بضده كالخلاف في كون الأمر بشيء لا يكون نهيا عن ضده . والصحيح من الخلافين ما في المتن

التالي السابق


الخدمات العلمية