الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( جد ) الجيم والدال أصول ثلاثة : الأول العظمة ، والثاني الحظ ، والثالث القطع .

                                                          فالأول العظمة ، قال الله جل ثناؤه إخبارا عمن قال : وأنه تعالى جد ربنا . ويقال جد الرجل في عيني أي عظم . قال أنس بن مالك : " كان الرجل إذا قرأ سورة البقرة وآل عمران جد فينا " ، أي عظم في صدورنا .

                                                          [ ص: 407 ] والثاني : الغنى والحظ ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه : لا ينفع ذا الجد منك الجد ، يريد لا ينفع ذا الغنى منك غناه ، إنما ينفعه العمل بطاعتك . وفلان أجد من فلان وأحظ منه بمعنى .

                                                          والثالث : يقال جددت الشيء جدا ، وهو مجدود وجديد ، أي مقطوع . قال :


                                                          أبى حبي سليمى أن يبيدا وأمسى حبلها خلقا جديدا

                                                          وليس ببعيد أن يكون الجد في الأمر والمبالغة فيه من هذا ; لأنه يصرمه صريمة ويعزمه عزيمة . ومن هذا قولك : أجدك تفعل كذا ؟ أي أجدا منك ، أصريمة منك ، أعزيمة منك . قال الأعشى :


                                                          أجدك لم تسمع وصاة محمد     نبي الإله حين أوصى وأشهدا

                                                          وقال :


                                                          أجدك لم تغتمض ليلة     فترقدها مع رقادها

                                                          والجد البئر من هذا الباب ، والقياس واحد ، لكنها بضم الجيم . قال الأعشى فيه :


                                                          ما جعل الجد الظنون الذي     جنب صوب اللجب الماطر

                                                          والبئر تقطع لها الأرض قطعا .

                                                          ومن هذا الباب الجدجد : الأرض المستوية . قال :

                                                          [ ص: 408 ]

                                                          يفيض على المرء أردانها     كفيض الأتي على الجدجد

                                                          والجدد مثل الجدجد . والعرب تقول : " من سلك الجدد أمن العثار " . ويقولون : " رويد يعلون الجدد " . ويقال أجد القوم إذا صاروا في الجدد . والجديد : وجه الأرض . قال :


                                                          إلا جديد الأرض أو ظهر اليد

                                                          والجدة من هذا أيضا ، وكل جدة طريقة . والجدة الخطة تكون على ظهر الحمار .

                                                          ومن هذا الباب الجداء : الأرض التي لا ماء بها ، كأن الماء جد عنها ، أي قطع ، ومنه الجدود والجداء من الضان ، وهي التي جف لبنها ويبس ضرعها .

                                                          ومن هذا الباب الجداد والجداد ، وهو صرام النخل . وجادة الطريق سواؤه ، كأنه قد قطع عن غيره ، ولأنه أيضا يسلك ويجد . ومنه الجدة . وجانب كل شيء جدة ، نحو جدة المزادة ، وذلك هو مكان القطع من أطرافها . فأما قول الأعشى :


                                                          أضاء مظلته بالسرا     ج والليل غامر جدادها

                                                          فيقال إنها بالنبطية ، وهي الخيوط التي تعقد بالخيمة . وما هذا عندي بشيء ، [ ص: 409 ] بل هي عربية صحيحة ، وهي من الجد وهو القطع ; وذلك أنها تقطع قطعا على استواء .

                                                          وقولهم ثوب جديد ، وهو من هذا ، كأن ناسجه قطعه الآن . هذا هو الأصل ، ثم سمي كل شيء لم تأت عليه الأيام جديدا ; ولذلك يسمى الليل والنهار الجديدين والأجدين ; لأن كل واحد منهما إذا جاء فهو جديد . والأصل في الجدة ما قلناه . وأما قول الطرماح :


                                                          تجتني ثامر جداده     من فرادى برم أو تؤام

                                                          فيقال إن الجداد صغار الشجر ، وهو عندي كذا على معنى التشبيه بجداد الخيمة ، وهي الخيوط ، وقد مضى تفسيره .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية