ثم اعلم أن مفهوم المخالفة ستة أقسام ، أشير إليها بقوله ( وينقسم إلى مفهوم صفة ، و ) إلى ( تقسيم ، و ) إلى ( شرط ، و ) إلى ( غاية ، و ) إلى ( عدد [ ص: 454 ] لغير مبالغة ، و ) إلى ( لقب ) وهو آخر الستة أقسام . ( فالأول ) أي الذي هو ( أن يقترن بعام صفة خاصة ك " في الغنم السائمة الزكاة " ) وك " في سائمة الغنم الزكاة " ، ولذلك قال كثير من العلماء : هو تعليق الحكم بإحدى صفتي الذات ، فشمل المثالين ، ومثل بهما في الروضة ، وبين الصيغتين فرق في المعنى . فمقتضى العبارة الأولى : عدم الوجوب في الغنم ، المعلوفة التي لولا القيد بالسوم لشملها لفظ " الغنم " ومقتضى العبارة الثانية : عدم الوجوب في سائمة غير الغنم ، كالبقر مثلا التي لولا تقييد السائمة بإضافتها إلى الغنم لشملها لفظ " السائمة " كذا قال مفهوم الصفة التاج السبكي في منع الموانع وقال : هو التحقيق .
قال ابن العراقي : والحق عندي أنه لا فرق بينهما ، فإن قولنا : سائمة الغنم ، من إضافة الصفة إلى موصوفها ، فهي في المعنى كالأولى ، والغنم موصوفة ، والسائمة صفة على كل حال . وقد علم أنه ليس المراد بالصفة هنا النعت ، ولهذا مثلوا بقوله صلى الله عليه وسلم { } والتقيد فيه بالإضافة ، لكنه في معنى الصفة ، فإن المراد به المطل الكائن من الغني ، لا من الفقير ، وقدره مطل الغني ظلم البرماوي فقال : مطل الشخص الغني ، ورده بنحو ذلك وغيره ، ومثله أصحابنا تارة بالعبارة الأولى ، وتارة بالثانية .
وظاهر كلامهم أن الحكم فيهما واحد ومن أمثلته أيضا { } " ومثله : تعليق نفقة البائن على الحمل وبدأ المصنفون بمفهوم الصفة ; لأنه رأس المفاهيم قال من باع نخلا مؤبرة فثمرتها للبائع أبو المعالي : لو عبر معبر عن جميع المفاهيم بالصفة لكان ذلك متجها ; لأن المعدود والمحدود موصوفان بعددها وحدها ، وكذا سائر المفاهيم . انتهى .
( وهو ) أي مفهوم الصفة ( حجة ) عند أحمد ومالك - رضي الله تعالى عنهم - وأكثر أصحابهم ( لغة ) أي من حيث دلالة اللغة وضع اللسان عند أكثر أصحابنا وأكثر الشافعية وقيل : عقلا ، أي من حيث دلالة العقل ، واختاره جمع وقال والشافعي الرازي في المعالم : إن ذلك من قبيل العرف العام ، وقال بعض الشافعية : إن ذلك من قبيل الشرع ( يحسن الاستفهام فيه ) أي في مفهوم الصفة ، جزم به في الواضح ، كقول القائل : لا تشرب الخمر ; لأنه يوقع العداوة ، [ ص: 455 ] فيقال له : فهل أشرب النبيذ ؟ ولا ينكر أحد استفهامه هذا ( ومفهومه ) أي مفهوم قوله " في الغنم السائمة الزكاة ؟ " أنه ( لا زكاة في معلوفة الغنم ) عند المعظم ( فالغنم والسوم علة ) لتعلق الحكم بهما وظاهر كلام رضي الله تعالى عنه - واختاره أحمد ابن عقيل وأبو حامد والرازي - : أن مفهومه " لا زكاة " في معلوفة كل حيوان ، فعلى هذا : السوم وحده علة ( وهو ) أي مفهوم الصفة ( في بحث عما يعارضه كعام ) أي كاللفظ العام ، ذكره في التمهيد وغيره ( ومنها ) أي من الصفة ( علة ) نحو : حرمت الخمر لشدتها ، فيدل على أن ما لا شدة فيه لا يحرم .
وهذا أخص من قول القائل : في الغنم السائمة الزكاة ، فإن الوصف فيه وهو " السوم " تتميم للمعنى الذي هو علته ، إلا أن الخلاف في أحدهما كالخلاف في الآخر ( و ) منها ( ظرف ) زمان نحو " { الحج أشهر معلومات } { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } وظرف مكان ، وهو نحو " { فاذكروا الله عند المشعر الحرام } وكلا الظرفين حجة ( و ) منها ( حال ) نحو { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } ذكره ابن السمعاني في القواطع ، وقال : إنه كالصفة ، وهو ظاهر ; لأن الحال صفة في المعنى قيد بها ، ولم يذكره أكثر المتأخرين . والقول الثاني في أصل المسألة أن مفهوم الصفة بأنواعه ليس بحجة ، وإليه ذهب وأصحابه ، أبو حنيفة وابن سريج ، وجماعة من المالكية ، وكثير من والقفال المعتزلة ، وأبو الحسن التميمي من أصحابنا واختلف النقل عن الأشعري ، واستدل لكونه حجة - وهو الصحيح - بأنه لم يدل عليه لغة لما فهمه أهلها .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } حديث حسن ، رواه لي الواجد يحل عرضه وعقوبته أحمد وأبو داود والنسائي ، أي مطلق الغني . وفي الصحيحين { وابن ماجه } وفيهما { مطل الغني ظلم } قال لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا في الأول : يدل على أن لي من ليس بواجد لا يحل عقوبته وعرضه وفي الثاني مثله ، وقيل له في الثالث : المراد الهجاء أو هجاء النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لو كان كذلك لم يكن لذكر الامتلاء معنى ; لأن قليله كذلك فألزم [ ص: 456 ] أبو عبيد من تقدير الصفة المفهوم قدر الامتلاء صفة للهجاء . وهو أبو عبيد من أئمة اللغة ، وذكره والشافعي الآمدي قول جماعة من أهل العربية فالظاهر أنهم فهموا ذلك لغة .
فثبتت اللغة به ، واحتمال البناء على الاجتهاد مرجوح ( وكالأولى ) وهي الصفة المقترنة بالعام ، كقولهم : في الغنم السائمة الزكاة ، الصفة العارضة المجردة ، نحو قولهم ( في السائمة الزكاة ) قال ابن مفلح : عند أصحابنا وغيرهم وذكره الآمدي وغيره وذلك لأن غايته أن الموصوف فيها محذوف ( والأولى أقوى دلالة ) في المفهوم ; لأن الأولى وهي التي المثال فيها مقيد بالعام كالنص ، بخلاف هذا .