[ ص: 255 ] أو من غلب على ظنه بأنه سيخاصم ولو بعضا له فيما يظهر لئلا يمتنع من الحكم عليه أو كان يهدي إليه قبل الولاية ( أو ) من لا خصومة له و ( لم يهد ) إليه شيئا ( قبل ولايته ) أو له عادة بالإهداء له وزاد عليها قدرا يحال على الولاية غير متميز أو صفة في محل ولايته ( حرم ) عليه ( قبولها ) ولا يملكها لأنها توجب الميل إليه في الأولى ويحال سببها على الولاية في الثانية ، وقد ورد في الأخبار الصحيحة { ( فإن أهدى إليه ) أو وهبه أو ضيفه أو تصدق عليه فرضا أو نفلا ( من له خصومة ) } وإنما حلت له صلى الله عليه وسلم الهدايا لعصمته ، وفي الخبر أنه أحلها هدايا العمال سحت ، فإن صح فهو من خصوصياته أيضا ، وسواء كان المهدي من أهل عمله أو من غيره وقد حملها إليه لأنه صار في عمله ، فلو جهزها له مع رسول ولا خصومة له ففيه وجهان أوجههما الحرمة ، ولا يحرم عليه قبولها في غير عمله وإن كان المهدي من أهل عمله ما لم يستشعر بأنها مقدمة لخصومة ، ومتى بذل له مال ليحكم بغير الحق أو امتنع من حكم بحق فهو الرشوة المحرمة بالإجماع ، ومثله ما لو امتنع من الحكم بالحق إلا بمال لكنه أقل إثما ، { لمعاذ } وفي رواية : { وقد لعن صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم } . والرائش ، وهو الماشي بينهما
ومحله في راش لباطل .
أما من علم أخذ ماله بباطل لولا الرشوة فلا ذم عليه ، وحكم الرائش حكم موكله ، فإن توكل عنهما عصى مطلقا .
واعلم أن محل ما مر من كونه أقل إثما ما إذا لم يكن له رزق من بيت المال وذلك الحكم مما يصح الاستئجار عليه وطلب أجرة مثل عمله فقط وإلا جاز له طلبها وأخذها عند كثيرين وامتنع عند آخرين .
قيل والأول أقرب والثاني أحوط ( وإن كان ) من عادته أنه ( يهدي ) إليه قبل ولايته وترشحه لها لنحو قرابة أو صداقة ولو مرة واحدة كما أشعر به كلامهم واعتمده الزركشي وما أشعر به كان في كلام المصنف من التكرار غير مراد ( ولا خصومة ) له حاضرة ولا مترقبة ( جاز ) قبول هديته إن كانت ( بقدر العادة ) قيل كالعادة ليعم الوصف أيضا أولى ا هـ .
وقد يجاب بأن القدر قد يستعمل في الكيف كالكم وذلك لانتفاء التهمة حينئذ بخلافها بعد الترشح ، أو مع الزيادة فيحرم قبول الجميع إن كانت الزيادة في الوصف كأن اعتاد إهداء كتان فأهدى حريرا ، فإن كان في القدر ولم يتميز فكذلك وإلا حرم الزائد فقط ، وجوز السبكي في حلبياته قبول الصدقة ممن لا خصومة له ولا عادة ، وخصه في تفسيره بما إذا لم يعرف المتصدق بأنه القاضي وعكسه ، واعتمده ولده وهو متجه وإلا لأشكل بما يأتي في الضيافة ، وبحث غيره القطع بحل أخذه للزكاة ، ويتجه تقييده بما ذكر ، وألحق الحسباني بالأعيان المنافع المقابلة بمال عادة كسكنى دار بخلاف غيرها كاستعارة كتاب علم وأكله طعام بعض أهل ولايته ضيفا كقبول هديتهم كما علم مما مر .
وأما لو وقف عليه بعض أهل عمله فقد تردد فيه السبكي والمتجه فيه وفي النذر أنه إن عينه باسمه وشرطنا القبول كان كالهدية له ، وكذا لو وقف على تدريس هو شيخه [ ص: 256 ] فإن عين باسمه امتنع وإلا فلا ، ويصح إبراؤه عن دينه إن لم يشترط قبوله وهو الأصح ، وكذا أداؤه عنه بغير إذنه ، بخلافه بإذنه بشرط عدم الرجوع .
وبحث التاج السبكي أن خلع الملوك التي من أموالهم كما هو ظاهر ليست كالهدية بشرط اعتيادها لمثله وأن لا يتغير بها قلبه عن التصميم عن الحق وسائر العمال مثله في نحو الهدية لكنه أغلظ ، ولا يلتحق بالقاضي فيما ذكر المفتي والواعظ ومعلم القرآن والعلم لأنهم ليس لهم أهلية الإلزام ، والأولى في حقهم إن كانت الهدية لأجل ما يحصل منهم من الإفتاء والوعظ والتعليم عدم القبول ليكون عملهم خالصا لله تعالى ، وإن أهدى إليهم تحببا وتوددا لعلمهم وصلاحهم فالأولى القبول .
وأما إذا أخذ المفتي الهدية ليرخص في الفتوى فإن كان بوجه باطل فهو رجل فاجر يبدل أحكام الله تعالى ويشتري بها ثمنا قليلا ، وإن كان بوجه صحيح فهو مكروه كراهة شديدة ( والأولى ) لمن جاز له قبول الهدية ( أن يثيب عليها ) أو يردها لمالكها أو يضعها في بيت المال وسد باب القبول مطلقا أولى حسما للباب .