بعد ملاقاته ، وإن غلب على ظنه قتله لو ثبت لقوله تعالى { ( ويحرم الانصراف ) على من كان من أهل فرض الجهاد ( عن الصف ) فلا تولوهم الأدبار } وصح أن صلى الله عليه وسلم عد الفرار من الزحف من السبع الموبقات ، وخرج بالصف ما لو لقي مسلم كافرين فطلبهما أو طلباه فلا يحرم عليه الفرار ; لأن فرض الثبات إنما هو في الجماعة ، وقضية ذلك أنه لو لقي مسلمان أربعة جاز لهما الفرار لأنهما غير جماعة ، ويحتمل أن يراد بالجماعة ما مر في صلاتها فيدخل في ذلك المسلمان ، ويجوز لأهل بلدة قصدهم الكفار التحصن منهم ; لأن الإثم منوط بمن فر بعد لقائهم ، ولو ذهب سلاحه وأمكنه الرمي بأحجار امتنع الانصراف ، وكذا لو مات مركوبه وأمكنه راجلا ( إذا لم يزد عدد الكفار على مثلينا ) للآية [ ص: 66 ] وهو أمر بلفظ الخبر ، وإلا لزم الخلف في خبره تعالى وحكمة مصابرة الضعف أن المسلم يقاتل على إحدى الحسنيين الشهادة أو الفوز بالغنيمة مع الأجر ، والكافر يقاتل على الفوز في الدنيا فقط .
فإن زاد على المثلين جاز الانصراف مطلقا ، وشمل ذلك ما لو بلغوا اثني عشر ألفا ، وأما خبر { } فالمراد أن الغالب على هذا العدد الظرف فلا تعرض فيه لحرمة فرار ولا عدمها ( إلا متحرفا لقتال ) أي منتقلا عن محله ليكمن لأرفع منه أو أصون منه عن نحو ريح أو شمس أو عطش ( أو متحيزا ) أي ذاهبا ( إلى فئة ) من المسلمين وإن قلت ( يستنجد بها ) على العدو وهي قريبة بأن تكون بحيث يدرك غوثها المتحيز عنها عند الاستغاثة للآية ، ولا يلزم تحقيق قصده بالرجوع للقتال إذ لا يجب قضاء الجهاد ، ومحل الكلام فيمن تحرف أو تحيز بقصد ذلك ، ثم طرأ له عدم العودة ، أما جعله وسيلة لذلك فشديد الإثم إذ لا يمكن مخادعة الله في العزائم ، ( ويجوز ) لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة ( في الأصح ) لإطلاق الآية ، وإن انقضى القتال قبل عوده أو مجيئهم ، والثاني يشترط قربها ، والأوجه ضبط البعيدة بأن تكون في حد القرب المار في التيمم أخذا من ضبط القريبة بحد الغوث ، ولو حصل بتحيزه كسر قلوب الجيش امتنع كما جرى عليه التحيز ( إلى فئة بعيدة ) ابن الوردي واعتمده الأذرعي وغيره ، ولا يشترط لحله أن يستشعر عجزا يحوجه إلى استنجاد ، وإن ذهب جمع إلى اشتراطه واعتمده ابن الرفعة .
( ولا يشارك ) متحرف لمحل بعيد في الأوجه وإطلاق القول بالمشاركة ; لأنه كان في مصلحتنا وخاطر بنفسه أكثر من الثبات في الصف محمول على قريب لم يغب عن الصف غيبة لا يضطر إليها لأجل التحرف ; لأن ما ذكره من التعليل إنما يتأتى فيه فقط كما هو واضح ، ولا ( متحيز إلى ) فئة ( بعيدة الجيش فيما غنم بعد مفارقته ) لعدم نصرته ، ويشارك فيما غنم قبل مفارقته ( ويشارك متحيز إلى قريبة ) الجيش فيما غنم بعد مفارقته ( في الأصح ) لبقاء نصرته ، ويصدق بيمينه في قصده التحرف أو التحيز ، ولو لم يعد إلى انقضاء القتال ، ومن مطلقا ; لأنه مع كونه في مصلحتهم خاطر بنفسه أكثر من بقائه ، والثاني لا يشاركه لمفارقته ( فإن ) أرسل جاسوسا يشارك فيما غنم في غيبته ( جاز الانصراف ) مطلقا للآية ( إلا أنه يحرم انصراف مائة بطل عن مائتين وواحد ضعفاء ) ويجوز انصراف مائة ضعفاء عن مائة وتسعة [ ص: 67 ] وتسعين أبطالا ( في الأصح ) اعتبارا بالمعنى بناء على أنه يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه ; لأنهم يقاومونهم لو ثبتوا لهم ، وإنما يراعى العدد عند تقارب الأوصاف ، ومن ثم لم يختص الخلاف بزيادة الواحد ونقصه ولا براكب وماش . ( زاد ) العدد ( على مثلين )
بل الضابط كما قاله الزركشي كالبلقيني أن يكون في المسلمين من القوة ما يغلب على الظن أنهم يقاومون الزائد على مثليهم ، ويرجون الظفر بهم ، أو من الضعف ما لا يقاومونهم ، وحيث جاز الانصراف ، فإن غلب الهلاك بلا نكاية وجب أو بها استحب ، والثاني يقف مع العدد