الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الفصل الثاني : في صفة التغليظ بمكانه وزمانه .

                                                                                                                                            [ ص: 112 ] أما المكان ، فيعتبر بأشرف البقاع من البلد ، فإن كان بمكة ، فبين البيت والمقام ، وتصان الكعبة عنه .

                                                                                                                                            وأما الحجر ، فقد أحلف عمر أهل القسامة فيه ، ولو صين عنه كان أولى : لأنه في حكم البيت .

                                                                                                                                            وإن كان بالمدينة ، ففي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى منبره ، كما أحلف المتلاعنين عليه .

                                                                                                                                            وقال أبو علي بن أبي هريرة : يحلف عند المنبر ، لا عليه ، لأن علو المنبر تشريف يصان عن مأثم الأيمان ، لكن يرقى عليه الحاكم المستحلف ، لأنه من أهل الولايات ، ولا يرقى عليه الطالب إلا أن يرقى عليه الحالف ، لوجوب التسوية بين الخصمين .

                                                                                                                                            وإن كان ببيت المقدس ، ففي مسجدها عند الصخرة ، لأنها أشرف بقاعه ، ويستحلف قائما ، لا سيما إن كان على المنبر ، لأن المنابر مقامات الوقوف في الولاة ، فكان في الاستحلاف أولى ، ولا بأس أن يكون الطالب المستحلف جالسا عند قيام الحاكم ، لأنه هو المزجور دون المستحلف .

                                                                                                                                            فأما اليهود والنصارى إذا تغلظت عليهم الأيمان ، ففي كنائسهم ، وبيعهم : لأنها وإن لم تكن أشرف البقاع عندنا ، فهي أشرفها عندهم ، وهم المزجورون بها ، فاعتبرنا ما هو أشرف في معتقدهم لا في معتقدنا .

                                                                                                                                            وأما التغليظ بالزمان ، فبعد صلاة العصر لما ذهب إليه أهل التأويل في قوله تعالى : تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان [ المائدة : 106 ] . أنها صلاة العصر ، ولأنه وقت ترفع فيه الأعمال ، وتجاب فيه الدعوات .

                                                                                                                                            فأما اليهود والنصارى ، فبعد صلاتهم التي يرونها أعظم صلواتهم .

                                                                                                                                            وأما التغليظ بالعدد ففي الحقوق التي شرع فيها العدد ، وهي الدماء : تغلظ بخمسين يمينا ، وفي اللعان بخمسة أيمان .

                                                                                                                                            وأما التغليظ باللفظ : فهو أن يذكر مع اسم الله تعالى من صفات ذاته الخارجة عن العرف المألوف في لغو اليمين ، ما يكون أزجر وأردع على ما سنذكره في صفة اليمين . وأما التغليظ بالوعظ ، فيكون قبل اليمين بقول الله تعالى : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا [ آل عمران : 77 ] . [ ص: 113 ] وبقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من حلف يمينا فاجرة ، ليقتطع مال امرئ مسلم لقي الله يوم يلقاه ، وهو عليه غضبان " .

                                                                                                                                            فأما الإحلاف بالمصحف تغليظا ، فقد كان ابن الزبير يفعله ، وقد حكاه الشافعي عن بعض قضاتهم استحسانا ، وليس بمستحب عنده ، وإن أجازه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من كان حالفا ، فليحلف بالله أو ليصمت " ، وهل يجزئ الحلف به عن الحلف بالله ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يجزئ ، ويسقط به وجوب اليمين ، لاشتراكهما في الحنث بهما ، ووجوب التكفير فيهما .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يجزئ ، ولا يسقط به وجوب اليمين ، لأن من الفقهاء من يعلق عليه حنثا ، ولا يوجب به تكفيرا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية