الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر أحكام الأغاني والملاهي ، فإن قيل بتحريمها فهي من الصغائر دون الكبائر ، يفتقر إلى الاستغفار ، ولا ترد بها الشهادة إلا مع الإصرار .

                                                                                                                                            وإن قيل بكراهتها ، فهي من الخلاعة لا يفتقر إلى الاستغفار ولا ترد بها الشهادة إلا مع الإصرار ، وإن كان كذلك فالكلام فيها يشتمل على ثلاثة فصول :

                                                                                                                                            أحدها : فيمن باشرها بنفسه .

                                                                                                                                            والثاني : فيمن يستعملها للهوه

                                                                                                                                            والثالث : فيمن يغشى أهلها .

                                                                                                                                            فأما المباشر لها بنفسه فله ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يصير منسوبا إليها ومسمى بها ، يقال إنه مغني يأخذ على غنائه أجرا ، يدعوه الناس إلى دورهم أو يغشونه لذلك في داره ، فهذا سفيه مردود الشهادة ، لأنه قد تعرض لأخبث المكاسب ونسب إلى أقبح الأسماء .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يغني لنفسه إذا خلا في داره باليسير استرواحا فهذا مقبول الشهادة ، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا خلا في داره يترنم بالبيت والبيتين :

                                                                                                                                            [ ص: 193 ] واستؤذن عليه ذات يوم لعبد الرحمن بن عوف وهو يترنم فقال : أسمعتني يا عبد الرحمن ؟ فقال : نعم . قال : إنا إذا خلونا في منازلنا نقول كما يقول الناس .

                                                                                                                                            وروي عن أبي الدرداء ، وكان من زهاد الصحابة ، أنه قال : إني لأجم قلبي بشيء من الباطل لأستعين به على الحق .

                                                                                                                                            فإن قرن يسير غنائه بشيء من الملاهي مما حظرناه ، نظر .

                                                                                                                                            فإن خرج صوته عن داره حتى يسمع منها ، كان سفها ترد به الشهادة .

                                                                                                                                            وإن خافت به ولم يسمع ، كان عفوا إذا قل ولا ترد به الشهادة .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يغني إذا اجتمع مع إخوته ليستروحوا بصوته وليس بمنقطع عليه . ولا يأخذ عليه أجرا ، نظر :

                                                                                                                                            فإن كان مشهورا به ، يدعوه الناس لأجله ، كان سفها ترد به الشهادة ، وإن لم يشتهر به ، ولا دعا الناس لأجله ، نظر .

                                                                                                                                            فإن كان متظاهرا به معلنا له ، ردت شهادته ، وإن كان مستترا به ، لم ترد شهادته والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية