الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما أكثر النفاس فقد اختلفوا فيه فذهب الشافعي إلى أن أكثره ستون يوما وبه قال مالك والشعبي وقال الحسن البصري أكثره خمسون يوما .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : أكثره أربعون يوما ، وحكى الأوزاعي عن أهل دمشق أن أكثر النفاس من الغلام ثلاثون يوما ومن الجارية أربعون يوما ، وكل منهم رجع فيما ذكره من الحد إلى ما [ ص: 437 ] وجد فاستدل أبو حنيفة على حده بالأربعين برواية أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوما .

                                                                                                                                            وروت مسة أم بسة عن أم سلمة قالت كان النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوما وكنا نطلق على وجوهنا الورس يعني : من الكلف " ولأن الأربعين متفق عليها ، والزيادة مختلف فيها ، فلم يجز ترك يقين الصلاة : بمختلف فيه .

                                                                                                                                            ودليلنا رواية أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " النفساء تجلس إلى أن ترى الطهر " فكان عمومه يقتضي أن يكون ما جاوز الأربعين يكون نفاسا ، ولأن حد الحيض والنفاس مأخوذ من وجود العادة المستمرة فيه ، وقد وجد الشافعي الستين في عادة مستمرة ، وتحرر هذا قياسا ، فيقال لأنه دم أرخاه الرحم جرت به عادة مستقرة ، فجاز أن يكون نفاسا كالأربعين ، ولأن أكثر الدم يزيد على عادته في الغالب ، كالحيض غالبه السبع ، وأكثره يزيد على السبع ، فلما كان غالب النفاس أربعين ، وجب أن يزيد أكثره على الأربعين ، ولأن النفاس هو ما كان محتسبا من الحيض في مدة الحمل ، فلما كان غالب الحمل تسعة أشهر ، وغالب الحيض ست أو سبع ، فإن اعتبرنا السبع كان النفاس ثلاثة وستين يوما ، وإن اعتبرنا الست كان النفاس أربعة وخمسين يوما ، وإن اعتبرناهما معا كان النفاس ستين يوما ، وهو أن يجعل حيضها في ستة أشهر سبعا ، وفي ثلاثة أشهر ستا فصح أن ما ذهبنا إليه أصح فأما الجواب عن حديث أنس بن مالك فهو أنه ضعيف ، لأن رواية سلام بن مسلم عن حميد عن أنس وسلام قد أسقط حديثه ذكره الساجي ، وقال كان ضعيفا ، ولو كان صحيحا لحمل على من تجاوز دمها ستين يوما ، فردها إلى أوسطه أربعين يوما كما رد حمنة بنت جحش حين استحيضت إلى أوسط الحيض ست أو سبع ، وأما حديث أم سلمة فلا دليل فيه ، لأنه إخبار عن قدر عادتهن ، وأما استدلاله بالوفاق فليس الوفاق على أن الأربعين نفاس ، دليلا على أن الأربعين أكثر النفاس كالعشرين فأما أوسط النفاس فأربعون يوما : لأن غالب عادة النساء جارية به كالسبع في الحيض ، ووجوده في العادة يغني عن دليل أصله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية