الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الضرب الثاني ، وهو أن يدعى عليه يمين في يديه كدار أو عبد أو ثوب ، فلا يستقل بهذه الدعوى إلا أن يصلها بما يوجب انتزاعها من يده ، فيقول : وقد غصبني عليها ، أو منعني منها بغير حق ، لأنها قد تكون له ، ولا يستحق انتزاعها من يده ، لأنها مستأجرة أو مرهونة ، فإذا كملت الدعوى بقول المدعي هذه الدار لي ، وقد غصبني عليها ، فللمدعى عليه في إنكاره أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يقول : لا حق له في هذه الدار ، فهذا جواب مقنع ، ولا يتضمن أنها ملك المنكر ، ولا أنه لا يملكها بتحلفة الحاكم على البت بالله إنه لا حق له فيها ، ولا [ ص: 121 ] يحتاج أن يقول : ولا في شيء منها ، لأن قوله : " لا حق له فيها - مستوعب لجميع أجزائها .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يقول : لا يستحق هذه الدار ، فيحتاج أن يقول : ولا شيئا منها ، لأن قوله : " ولا يستحقها " لا يمنع أن يستحق بعضها ، فيحلفه الحاكم بالله إنه لا يستحق هذه الدار ، ولا شيئا منها .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يقول : هذه الدار لي دونه ، فيكون هذا جوابا كافيا ، فإن قال : هذه الدار لي ولم يقل دونه - أقنع ؛ لأنها إذا كانت له فلا شيء فيها لغيره ، فيحلفه الحاكم على البت على نفي ملك المدعي ، ولا يحلفه على إثبات ملكه ، لأنها يمين عليه ، وليست بيمين له ، فيقول : والله إنه لا يملك هذه الدار ، ولا شيئا منها ، أو لا ملك له في هذه الدار أو لا حق له في هذه الدار .

                                                                                                                                            فإن زاد في يمينه : وإنها لي دونه - جاز ، وكانت ملكا له في الظاهر بيده لا بيمينه .

                                                                                                                                            والحال الرابعة : أن يقول : ما غصبت هذه الدار ، فلا يقنع هذا الجواب ، لأنه ادعى عليه ملك الدار وغصبها ، فأنكر الغصب ، ولم ينكر الملك ، فلا يمنع إذا لم يغصبها منه أن تكون ملكا له .

                                                                                                                                            فإذا قالت : ما غصبته إياها ، وهي لي دونه ، كان جواب الإنكار ، وكان في إحلاف الحاكم له وجهان على ما مضى :

                                                                                                                                            أحدهما : يحلفه على ما أجاب به : والله ما غصبته هذه الدار ، وأنها لي دونه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يحلفه أنه لا حق له في هذه الدار ، ولا بسببها ، لأن الغصب موجب للأجرة ، فصار بادعاء غصبها وملكها مدعيا لها ولأجرتها ، فاحتاجت يمينه أن تتضمن نفي الأمرين : الملك والأجرة .

                                                                                                                                            فلذلك قال في يمينه : لا حق له فيها ، ولا بسببها ، لأنه لا يمتنع أن يزول ملكه عنها بعد استحقاق أجرتها بالغصب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية