الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الحال الثانية : وهو أن يكون الثوب في يد البائعين ، فلا تخاصم بين المشتريين ، فقيل : إنه لا يد لواحد منهما على ما يدعيه وخصمه فيه هو البائع عليه ، ليسلم إليه ما باعه عليه وللبائع حينئذ حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن يتنازعا كل واحد منهما ، أنه مالك لجميعه وبينة كل واحد من المشتريين في البيع ، هي بينة لكل واحد من البائعين في الملك ، ولكل واحد منهما بينة داخل في النصف الذي بيده ، وبينة خارج في النصف الذي في يد صاحبه ، فيحكم لكل واحد منهما بنصفه ببينته ويده ، لأنه قد عارضته فيه بينة خارج وهل يجب لكل واحد منهما إحلاف صاحبه ، أم لا ؟ على قولين : من تعارض البينتين هل يسقطان ، أو يستعملان ؟

                                                                                                                                            فإن قيل : بإسقاطهما فعلى كل واحد منهما أن يحلف لصاحبه أنه لا حق له فيما بيده ، ولا يحلف أنه مالك لما بيده ، لأنه يحلف على إنكاره وليس يحلف على إثباته ، وإن قيل : باستعمال البينتين فلا يمين على واحد منهما لصاحبه ، لأن من حكم له بالبينة لم يحلف معها ، ثم يصير كل واحد من البائعين مالكا لنصفه ، وبائعا لجميعه ، فيكون كل واحد من المشتريين بالخيار بين إمضاء البيع في نصفه والرجوع بنصف ثمنه ، وبين فسخ البيع في جميع ، والرجوع بجميع ثمنه على ما بيناه .

                                                                                                                                            والحالة الثانية : أن يتصادق البائعان على أن كل واحد منهما مالك لنصفه ، فينقطع التخاصم بينهما بالتصادق ، وفي انقطاع خصومة المشتريين بانقطاعها بين البائعين وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : قد انقطعت الخصومة بتصادقهما ، وصار كل واحد منهما مالكا لنصفه ، وبائعا لجميعه ، فلزمه تسليم ما ملك ودرك ما لم يملك .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن الخصومة باقية لكل واحد من المشتريين لأنه يدعي ملك جميع الثوب ، وقد صار إلى نصفه مع بقائه في حق غيره ، ويكون مخاصما فيه لمن بيده النصف الآخر فإن كان قد تسلم مشتريه ، كان كل واحد منهما خصما لصاحبه فيه فيتحالفان عليه ، ولا تستعمل بينتاهما فيه ، لأنها لا تفيدهما أكثر من قسم بينهما .

                                                                                                                                            فإن حلفا أو نكلا كان بينهما ، وانقطع تخاصمهما ، وإن حلف أحدهما ، ونكل الآخر ، حكم بجميعه للحالف ولم يلزم لبائعه عليه إلا نصف ثمنه ، وإن صار مالكا لجميعه لأن البائع مقر أنه لا يملك إلا نصفه ، فإن لم يكن مشتريه قد ساق الثمن إليه ، لم يطالبه البائع إلا بنصفه ، وإن كان قد ساق جميع الثمن لم يكن له استرجاع شيء منه ، لأنه مقر باستحقاقه عليه ، وليس للمشتري الناكل رجوعه بدركه على بائعه ، لأنه [ ص: 357 ] مستحق من يده بنكوله ، ولو حلف لكان مقرا في يده ، ولو لم يتسلم المشتري ، وكان باقيا من يد البائعين وقفت الخصومة بين المشتريين ، وكان لكل واحد مطالبة مبايعه ، فيتسلم ما ابتاعه منه ، وهو لا يقدر إلا على تسليم نصفه الذي في يده ، فإذا قبض كل واحد منهما نصفه ، تخاصم فيه المشتريان ، وكان حكمهما في التخاصم على ما ذكرناه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية