الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما المضارة فيسقط بها فرض الشهادة إن كانت في حق الشاهد ، وتتغلظ بها فرض الشهادة إذا كانت في حق المشهود له ، قال تعالى : ولا يضار كاتب ولا شهيد [ البقرة : 282 ] ، ولأهل العلم فيه ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المضارة أن يكتب الكاتب ما لم يمل عليه ، ويشهد الشاهد بما لم يستشهد ، وهو قول الحسن ، وطاوس ، وقتادة .

                                                                                                                                            والثاني : أن المضارة أن يمتنع الكاتب أن يكتب ، ويمتنع الشاهد أن يشهد ، وهو قول ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء .

                                                                                                                                            والثالث : أن المضارة أن يدعى الكاتب والشاهد وهما مشغولان معذوران ، وهو قول عكرمة ، والضحاك ، والسدي ، والربيع .

                                                                                                                                            ويحتمل عندي تأويلا رابعا : أن تكون المضارة أن يدعى الكاتب أن يكتب بالباطل ، ويدعى الشاهد أن يشهد بالزور فهذا ما اختلف فيه أهل العلم من تأويل الآية . فإن كانت المضارة في حق الشاهد فهي على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يتعلق بالإجابة مأثم ، وذلك من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يسأله المشهود له أن يزيد في الحق .

                                                                                                                                            والثاني : أن يسأله المشهود عليه أن ينقصه من الحق ، فلا يسع الطالب أن يسأل ولا يسع الشاهد أن يجيب ، وكل واحد منهما آثم إن فعل .

                                                                                                                                            [ ص: 55 ] والضرب الثاني : أن لا يتعلق بها مأثم ، وذلك من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يدعى الشاهد إلى ما يضر ببدنه من سفر .

                                                                                                                                            والثاني : إلى ما يضر بدنياه من انقطاع عن مكسب ، فالمأثم هاهنا يتوجه على الطالب إن ألزم ، ولا يتوجه إن سأل ، ولك هذا فضل الأجر إن أجاب ، وإن سقطت عنه الإجابة بالمضارة .

                                                                                                                                            وأما إن كانت المضارة في حق المشهود له فهي على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يضر الشاهد بالتوقف عن الشهادة من غير عذر .

                                                                                                                                            والثاني : أن يضر بتغيير الشهادة من غير شبهة ، فيكون بالتوقف آثما ، وبالتغيير مع المأثم كاذبا ، وفسقه بالكذب مقطوع به ، لأنه من الكبائر ، وفسقه بالمأثم معتبر بدخوله في الصغائر والكبائر بحسب الحال .

                                                                                                                                            فإن دخل في الصغائر لم يفسق ، وإن دخل في الكبائر فسق به .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية