الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ثم تتفرع الشهادات قال الشافعي : قال الله عز وجل : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " فأشبه أن يكون خرج من ترك ذلك ضرارا ، وفرض القيام بها في الابتداء على الكفاية ، كالجهاد والجنائز ورد السلام ، ولم أحفظ خلاف ما قلت عن أحد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اختلف أصحاب الشافعي في تأويل قوله : ثم تتفرع الشهادات على أربعة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أنها تتفرع بأن تكون الشهادة في حال من فروض الكفاية عند كثرة العدد ، وفي حال من فروض الأعيان عند قلة العدد ، وقائل هذا الوجه متأول على ما لا يخالف فيه نص مذهبه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها تتفرع بأن يكون فرض تحملها على الكفاية ، وفرض أدائها على الأعيان .

                                                                                                                                            وقائل هذا الوجه متأول له على خلاف مذهبه ، لأن فرض التحمل قد يتعين إذا لم يوجد غير من دعي للتحمل ، وفرض الأداء قد لا يتعين إذا وجد غير من دعي للأداء ، فلم يمتنع في التحمل والأداء من أن ينتقل كل واحد منهما من فرض الكفاية إلى فرض الأعيان ، ومن فرض الأعيان إلى فرض الكفاية ، ولئن كان المتحمل ملتزما لفرض الأداء فليس يمتنع أن لا يتعين عليه الأداء .

                                                                                                                                            الوجه الثالث : أنها تتفرع بأن تكون الشهادة تارة في تصحيح عقد كالنكاح والرجعة ، وتارة في ندب كالبيع ، والإجارة وتارة في وثيقة كالديون .

                                                                                                                                            وقائل هذا الوجه لا يخرج بتأويله عند مذهبه .

                                                                                                                                            فإن كانت الشهادة في عقد نكاح لا يصح إلا بها وجب على الطالب أن يدعو إليها لتصحيح عقده .

                                                                                                                                            فإذا اقتصر بالشهادة على تصحيح العقد جاز أن يدعو إليها أهل العدالة الظاهرة ، وإن أراد بها مع تصحيح العقد الوثيقة في إثباته عند الحكام دعا إليها أهل العدالة الباطنة ، لأن النكاح يصح بالعدالة الظاهرة ، وثبوته لا يصح إلا بالعدالة الباطنة .

                                                                                                                                            [ ص: 54 ] وأما المطلوب للشهادة عليه فهو مأمور بالإجابة من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : في تصحيح العقد بحضوره .

                                                                                                                                            والثاني : في الوثيقة بتحمله ، فإن كان من أهل العدالة الظاهرة تفرد حضوره بتصحيح العقد ، وإن كان من أهل العدالة الباطنة جمع بحضوره بين تصحيح العقد وتحمله ، وإن كانت الشهادة في مندوب إليه كالبيع كان مطلبها مندوبا إليها ، والمطلوب لها مندوبا إلى الحضور ، لأنه في العقد على حكم الطالب ، وفي الوثيقة مخالف لحكم الطالب فيصير داخلا في فرض الوثيقة ، وكان خارجا من فرض العقد . وإذا كانت الشهادة على دين فهي وثيقة محضة طالبها مخير في طلبها ، والمطلوب بها داخل في فرض تحملها .

                                                                                                                                            والوجه الرابع : أنها تتفرع بأن يختلف حكمها بوجود المضارة وعدمها ، ووجود الأعذار وعدمها . وعلى هذا الوجه يكون التفريع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية