الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وثبتت ) السرقة ( بإقرار ) ( إن طاع ) به كما تثبت بالبينة ( وإلا ) بأن أكره على الإقرار من حاكم أو غيره ولو بسجن أو قيد ( فلا ) يلزمه شيء منهما أم لا عند ابن القاسم ( ولو أخرج السرقة ) لاحتمال وصول اسم المسروق إليه من غيره ( أو عين القتيل ) الذي أكره على الإقرار بقتله فأقر وأخرجه كما في النقل لاحتمال أن غيره قتله فلا يقع ولا يقتل إلا أن يقر بعد الإكراه آمنا كما في المدونة وقال سحنون يعمل بإقرار المتهم بإكراهه وبه الحكم أي إن ثبت عند الحاكم أنه من أهل التهم فيجوز سجنه وضربه ويعمل بإقراره وتؤولت في محل عليه والأول هو المشهور والأوفق بقواعد الشرع وفي نسخة ، وإن عين السرقة وأخرج القتيل وعلى كل حال فالأولى حذف عين ; لأن المراد إخراج كل وإظهاره فكان مراده تعيين محل ما ذكر [ ص: 346 ] ( و ) إذا أقر طائعا ورجع عن إقراره ( قبل رجوعه ) عنه فلا يحد وكذا يقبل رجوع الزاني والشارب والمحارب ( ولو ) رجع ( بلا شبهة ) في إقراره نحو كذبت في إقراري كما لو رجع لشبهة نحو أخذت مالي المرهون أو المودع خفية فسميته سرقة ويلزمه المال إن عين صاحبه نحو أخذت دابة زيد بخلاف سرقت أو سرقت دابة أي وقع مني ذلك ولو ادعى شخص بسرقة على متهم أو مجهول حاله على أحد قولين قدمهما في الغصب إذ السرقة مثله فاليمين على المدعى عليه ، فإن حلف برئ ( وإن رد اليمين ) على الطالب ( فحلف الطالب ) أي المدعي فالغرم على المدعى عليه بلا قطع ومحل الرد إن حقق المدعي الدعوى ، فإن اتهمه غرم المدعى عليه بمجرد نكوله ولا قطع ; لأن القطع إنما هو في الثبوت بالبينة أو الإقرار طوعا بلا رجوع ، فإن ادعى على صالح لم تقبل دعواه وأدب كما تقدم في الغصب .

التالي السابق


( قوله : كما تثبت بالبينة ) ترك المصنف هذا لوضوحه فلو قالت قبل القطع وهاهنا بل هو هذا لم يقطع واحد منهما للشك واعلم أن القطع يثبت بشهادة البينة ولو لم يقم رب المتاع وترك متاعه وذلك لتحقيق السبب ; لأن الشهادة بالسرقة سبب في لزوم القطع ويلزم من وجود السبب وجود المسبب .

( قوله : فلا يلزمه شيء ) أي إذا أقر بها وقوله : ولو أخرج السرقة أي التي أقر بها مكرها .

( قوله : بإكراهه ) متعلق بإقرار والباء للسببية .

( قوله : وبه الحكم ) أي القضاء كما في معين الحكام ومتن التحفة لابن عاصم ونسبه فيها لمالك حيث قال :

وإن يكن مطالبا من يتهم فمالك بالسجن والضرب حكم وحكموا بصحة الإقرار
من ذاعر يحبس لاختبار

. والذاعر بالذال المعجمة الخائف قال عبق واعتمد ما لسحنون وحمل ما في المدونة على غير المتهم على أنه وقع فيها محلان أحدهما صريح في عدم العمل بإقراره لمكره ثانيهما حلف المتهم وتهديده وسجنه فاستشكله البرزلي بأنه لا فائدة في سجنه لعدم العمل بإقرار المكره كما هو مفاد المدونة أولا قال ويجمع بينهما بحمل أول كلامها على غير المتهم وآخره على المتهم كقول سحنون وجمع الغرياني أيضا بحمل أول كلامها على ما إذا كان المسروق لا يعرف بعينه لاحتمال أن يأتي بشيء غير المسروق من خوفه وحمل آخر كلامها على ما إذا كان المسروق يعرف بعينه فيهدد المتهم ويسجن رجاء أن يقر وبهذا علم أن ما لسحنون موافق للمدونة على أحد التأويلين انظر عج فإذا أقر مكرها على ما للمصنف وأخرج بعض المسروق أخذ بما أقر به من السرقة إن كان مما يعرف [ ص: 346 ] بعينه بناء على تأويل الغرياني ويؤاخذ بما أقر به من السرقة مطلقا أي سواء كان مما يعرف بعينه أم لا إن كان متهما بناء على تأويل البرزلي .

( قوله : وقبل رجوعه ولو بلا شبهة ) قال ابن رشد في المقدمات إن كان إقراره بعد الضرب والتهديد فلا يقطع بمجرد الإقرار واختلف إذا عين على قولين قائمين من المدونة وغيرها فعلى القطع إن رجع عن إقراره يقبل قولا واحدا وعلى القول بعدم القطع إن تمادى على إقراره بعد أن عين ففي المدونة يقطع وقال ابن الماجشون لا يقطع ، وأما إذا كان إقراره بعد الأخذ من غير ضرب ولا تهديد فقيل يقطع بمجرد إقراره ، وإن لم يعين السرقة وهو ظاهر ما في السرقة من المدونة وقيل لا يقطع حتى يعينها وهو قول ابن القاسم في سماع عيسى وقول مالك في سماع أشهب فعلى ما في المدونة له أن يرجع عن إقراره ، وإن لم يأت بوجه وهو ظاهر ما في المدونة ولا خلاف عندي في هذا الوجه وعلى القول الثاني اختلف هل له أن يرجع عن إقراره لغير التعيين أم لا على قولين عن مالك والقولان إنما هما إذا قال أقررت لوجه كذا ، وأما إن رجع عن الإقرار بعد التعيين فلا يقبل قولا واحدا ا هـبن .

( قوله : في إقراره ) لو قال في رجوعه كان أوضح ( قوله : كما لو رجع ) هذا بيان لما قبل المبالغة .

( قوله : ويلزمه المال إلخ ) أشار بهذا إلى أن رجوع السارق عن إقراره إنما يقبل بالنسبة لحق الله فينتفي الحد عنه الذي هو حق لله لا بالنسبة لغرم المال الذي هو حق لآدمي إذا عينه ومثل السارق المحارب إذا أقر بها ثم رجع عن إقراره فيقال فيه ما قيل في السارق .

( قوله : أخذت دابة زيد ) أي سرقة أو حرابة ثم رجع عن إقراره وقال كذبت في إقراري .

( قوله : أي وقع مني ذلك ) أي السرقة أو سرقة دابة ثم رجع عن إقراره وقال كذبت في إقراري فلا يلزمه قطع ولا غرم .

( قوله : ولو ادعى شخص إلخ ) هذا شرط جوابه قوله : الآتي فاليمين إلخ .

( قوله : على أحد قولين ) أي في سماع الدعوى بالسرقة أو الغصب عليه وعدم سماعها والفرض أنها دعوى مجردة عن البينة




الخدمات العلمية