الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وغلظت ) اليمين وجوبا ( في ربع دينار ) فأكثر أو ثلاثة دراهم أو ما يساوي ذلك ( بجامع ) الباء للآلة فإن امتنع عد ناكلا ( كالكنيسة ) لذمي ( وبيت النار ) لمجوسي وللمسلم الذهاب لتحليفهم بتلك المواضع وإن كانت حقيرة شرعا لأن القصد صرفهم عن الإقدام على الباطل ومن ثم قيل يجوز تحليف المسلم على المصحف وعلى سورة براءة وفي ضريح ولي حيث كان لا ينكف إلا بذلك ويحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور ( و ) غلظت ( بالقيام ) إن طلب كالذي قبله وبعده ( لا بالاستقبال ) للقبلة إلا أن يكون فيه إرهاب ( و ) غلظت ( بمنبره عليه الصلاة والسلام ) أي عنده كما هو ظاهر المدونة وقال ابن المواز على المنبر ولا تغلظ بالزمان كبعد العصر [ ص: 229 ] ( وخرجت المخدرة ) أي الملازمة للخدر أي الستر للتغليظ ( فيما ادعت ) به وقام شاهد بربع دينار أو ما يساويه فتحلف معه ( أو ادعى عليها ) بذلك وتوجه عليها اليمين ( إلا التي لا تخرج ) عادة ( نهارا ) وتخرج ليلا ( وإن مستولدة قليلا ) تخرج للتغليظ فإن كان شأنها لا تخرج أصلا كنساء الملوك حلفت ببيتها بحضرة شاهدين يوجههما القاضي لها ولا يقضي للخصم إن كان ذكرا غير محرم بحضوره معهما على ظاهر المدونة فتستثنى هذه الصورة من قولهم لا بد من حضور الطالب لليمين وإلا أعيدت بحضوره ( وتحلف ) المخدرة ولو كانت تخرج نهارا أو ليلا لحوائجها ( في أقل ) من ربع دينار ( ببيتها ) ولا يقضى عليها بالخروج لعدم التغليظ ويرسل القاضي لها من يحلفها ( وإن ) ( ادعيت ) أيها المدين ( قضاء على ميت ) أي بأنك وفيته له قبل موته فإن أقمت بينة بالقضاء أو أقر الورثة بذلك فالأمر ظاهر ( و ) إن أنكروا القضاء وأردت تحليفهم ( لم يحلف ) منهم على نفي العلم ( إلا من يظن به العلم ) بالقضاء واحدا أو متعددا ( من ورثته ) فإن حلف غرم المدين وإن نكل حلف أنه وفى وسقط عنه مناب الناكل فقط وهذا إذا كان الوارث بالغا وقت الموت وإلا فلا يمين عليه ولو بلغ بعد قبل الدعوى ولا يحلف من لا يظن به العلم ولا غير وارث ولو أخا شقيقا مخالطا للميت مع وجود ابن إذ لا يحلف أحد ليستحق غيره ومن علم القضاء وجب عليه الشهادة به وارثا أو غيره

التالي السابق


( قوله وغلظت اليمين وجوبا ) أي إن طلب المحلف التغليظ بما ذكر لأن التغليظ في اليمين والتشديد فيها من حقه فإن أبى من توجهت عليه اليمين مما طلبه المحلف من التغليظ عد ناكلا وقوله في ربع دينار إلخ أي فأقل من ذلك لا تغلظ فيه ثم إن هذا إذا كان ما ذكر لشخص واحد ولو على اثنين متضامنين لأن كلا كفيل عن الآخر يلزمه أداء الجميع لا إن كان ما ذكر لشخصين على واحد ولو متفاوضين لأن التغليظ لا يكون في أقل من القدر المذكور ( قوله الباء للآلة ) أي لا للظرفية لأنها تقتضي أن المراد أن اليمين إذا وقعت في الجامع تغلظ بصفات أخرى زائدة عن الوصف المتقدم من كونها بالله الذي لا إله إلا هو وليس كذلك إذ اليمين واحدة في الجامع وغيره لكن في ربع دينار تغلظ بوقوعها في الجامع والمراد بالجامع الجامع الأعظم وهو الذي تقام فيه الجمعة فإن كان القوم لا جامع لهم فقال أبو الحسن يحلفون حيث هم ولا يجلبون إلى الجامع وقال التازغدري يجلبون للجامع بقدر مسافة وجوب السعي للجمعة وهي ثلاثة أميال وثلث وقال بنحو العشرة أيام وإلا حلفوا بموضعهم نقله في المعيار وأقواها أوسطها فإن زعم من وجبت عليه اليمين أنه عاجز عن الخروج من محله لمرض فقال ابن بقي بفتح الباء الموحدة وكسر القاف وتشديد الياء المثناة إن ثبت عجزه ببينة حلف ببينته وإلا أخرج للمسجد قهرا وقال ابن حارث حلف أنه لا يقدر على الخروج لا راجلا ولا راكبا وخير المدعي في تحليفه في بيته وتأخيره لصحته فإن نكل لزمه الخروج أو رد اليمين وقال ابن لبابة إن ثبت مرضه حلف في بيته على المصحف وإلا حلف على عجزه وخير المدعي في الأمرين ا هـ بن .

( قوله لأن القصد ) أي من التغليظ عليهم بتحليفهم في تلك الأمكنة صرفهم إلخ ( قوله ومن ثم ) أي ومن أجل أن المقصود من التغليظ صرف الحالف عن الإقدام على الباطن قيل إلخ ( قوله وفي ضريح ولي ) أي وكذا تحليفه بالطلاق ( قوله لا بالاستقبال للقبلة ) أي ولو طلب ذلك المحلف وهذا مذهب المدونة وقال الأخوان يغلظ باستقبال القبلة إن طلب ذلك المحلف واختاره ابن سلمون قائلا إنه الذي جرى به العمل وعليه درج في التحفة أيضا انظر بن فقول شارحنا إلا أن يكون فيه إرهاب أي ويطلبه المحلف ( قوله وبمنبره عليه الصلاة والسلام ) إنما اختص منبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا لقوله صلى الله عليه وسلم { من حلف عند منبري كاذبا فليتبوأ مقعده من النار } وظاهر المصنف أن التغليظ في غير المدينة يكون بالحلف في الجامع ولا يختص بمكان منه بخلاف المدينة وبه قيل لكن الذي جرى به العمل أنه يحلف عند المنبر حتى في غير المدينة وهو قول مطرف وابن الماجشون قاله بن وأما التغليظ بمكة فيكون بالحلف عند الركن الذي فيه الحجر الأسود لأنه أعظم مكان في المسجد ( قوله ولا تغلظ بالزمان ) أي إلا أن يكون فيه إرهاب [ ص: 229 ] وتخويف ويطلبه المحلف .

( قوله وخرجت المخدرة إلخ ) حاصل المسألة أن المخدرة وهي التي يزرى بها مجلس القاضي لملازمتها للخدر والستر إما أن يكون من شأنها الخروج لقضاء حوائجها نهارا وإما أن يكون من شأنها الخروج لقضاء حوائجها ليلا وإما أن يكون شأنها عدم الخروج أصلا لمعرة ذلك عليها فالأولى تخرج نهارا للحلف بالمسجد للتغليظ والثانية تخرج ليلا والثالثة لا تخرج من بيتها بل يوجه لها القاضي من يحلفها في بيتها ( قوله وخرجت المخدرة ) أي نهارا لأجل حلفها بالجامع للتغليظ ( قوله فتحلف معه ) أي فتحلف في المسجد مع وجود ذلك الشاهد لها ( قوله أو ادعى عليها بذلك وتوجه عليها اليمين ) أي فتخرج لتحلف في المسجد وتحليفها بحضرة رب الحق فإن أبت هي وزوجها من حضورها لليمين خشية الاطلاع عليها فحكم ابن عبد السلام بأنه يبعد عنها أقصى ما يسمع لفظ يمينها فإن ادعى صاحب الحق عدم معرفتها فهل إثبات من يعرفها عليه أو عليها قولان فإن أريد التغليظ عليها بمسجد فادعت حيضا حلفت على ما ادعت من الحيض وأخرت .

( قوله إلا التي لا تخرج عادة نهارا ) أي في قضاء حوائجها ( قوله وإن مستولدة ) أي هذا إذا كانت حرة بل وإن كانت أم ولد فأم الولد كالحرة فيما تخرج فيه من ليل أو نهار أو لا تخرج ( قوله بحضرة شاهدين ) أي على جهة الكمال وإلا فالواحد يكفي على المعتمد ( قوله وإن ادعيت قضاء ) أي لدين ثابت عليك ببينة ( قوله وإن أنكروا القضاء ) أي والحال أنه لا بينة لذلك المدين على ما ادعاه من القضاء ( قوله لم يحلف منهم على نفي العلم إلا من يظن به العلم بالقضاء من ورثته ) أي فمن يظن به العلم بالقضاء من الورثة ولو زوجة يحلف أنه لم يعلم أن مورثه أخذ شيئا من ذلك ولا أحال به ومن لا يظن به العلم منهم يأخذ حقه من غير حلف ثم إن ظاهر قوله لم يحلف إلا من يظن به العلم أن الوارث الذي يظن به العلم يحلف سواء ادعى المطلوب عليه العلم بالقضاء أو لا وإنما طلب منه اليمين فقط وهو كذلك على أحد قولين ذكرهما في توضيحه والآخر أنه لا يحلف مع ظن علمه إلا إذا ادعى عليه العلم بالقضاء فإن لم يدع عليه العلم به وإنما طلب منه اليمين فقط فإنه لا يحلف والأول هو ظاهر المدونة .

( قوله فإن حلف غرم المدين ) أي فإن حلف من يظن به العلم من الورثة غرم المدين أي لذلك الحالف حصته من الدين وأما غرم حصة من لا يظن به العلم وحصة غير البالغ فلا يتوقف على حلف من يظن به العلم فمتى ادعى المدين القضاء ولم يصدقه الورثة قضى عليه الغرم لمن لا يظن به العلم ولغير البالغ ولا يطالب باليمين بعد البلوغ انظر بن ( قوله وإن نكل حلف ) أي المدين أنه وفى إلخ فإن نكل المدين أيضا غرم لذلك الناكل حقه ( قوله وهذا ) أي حلف من يظن به العلم من الورثة إن كان ذلك الوارث بالغا وقت الموت أي سواء ظن به العلم بالقضاء قبل الموت أو بعده ( قوله وإلا فلا يمين ) أي وإلا يكن بالغا وقت الموت بل بلغ بعده فلا يمين على ذلك الوارث ولو بلغ قبل الدعوى كذا قال الشارح تبعا لعبق وفيه نظر بل الظاهر أن المدار على البلوغ وقت الخصام كما يفيده كلام عبق بعد ذلك ا هـ أمير .

( تنبيه ) سكت المصنف عما لو ادعى شخص على ورثة ميت أنه له عليه دينا ولا بينة له به والحكم أنهم إن علموا به وجب عليهم قضاؤه من تركته بعد يمين القضاء وإن لم يعلموا به حلفوا على عدم العلم إن ادعى عليهم العلم وإلا فلا وإن ادعى عليهم ولم يجيبوا كان من أفراد ما تقدم من قوله وإن لم يجب حبس وأدب ثم حكم بلا يمين




الخدمات العلمية