الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 39 ] وخصصت نية الحالف ، [ ص: 40 ] وقيدت إن نافت وساوت [ ص: 41 - 45 ] في لله غيرها : كطلاق : ككونها معه في لا يتزوج حياتها كأن خالفت ظاهر لفظه : [ ص: 46 ] كسمن ضأن في : لا آكل سمنا ، أو لا أكلمه ، وكتوكيله في : لا يبيعه ، أو لا يضربه ، إلا لمرافعة وبينة ، أو إقرار في طلاق وعتق فقط ، [ ص: 47 ] أو استحلف مطلقا في وثيقة حق ، لا إرادة ميتة ، أو كذب في : [ ص: 48 ] طالق وحرة ، أو حرام ، وإن بفتوى

التالي السابق


( وخصصت ) أي قصرت ( نية ) الشخص ( الحالف ) لفظه العام على بعض أفراده وهو لفظ يستغرق الصالح له بلا حصر ، أي يشمل جميع ما يصلح هو له دفعة وبهذا خرج الأعلام ومنها أسماء الله تعالى والمطلق ، وهو اللفظ الموضوع للماهية بلا قيد كأسد ، وخرج بقوله بلا حصر أسماء العدد فإنها تستغرق ما تصلح له دفعة مع حصره فهي نص في معناها فلا تقبل التخصيص بالنية ونحوها ، فإذا حلف أن له عنده عشرة وقال نويت تسعة مثلا تقبل نيته ، وتقبل التخصيص بالاستثناء نحو عشرة إلا تسعة مثلا وطالق ثلاثا إلا اثنتين فمعنى تخصيص النية العام قصره على بعض أفراده زمانا أو مكانا أو صفة ، كلا أكلم زيدا ناويا في الليل أو في المسجد ، أو حال كونه جاهلا .

وللعام صيغ كثيرة : منها الموصولات وأسماء الشروط والاستفهام والجمع المحلى بأل والنكرة في سياق النفي والمفرد المضاف لمعرفة . ابن أبي شريف قيد يستغرق الصالح له يغني عن قيد بلا حصر ، لأن معنى الاستغراق المعروف دلالة الكلي على جزئيات معناه ودلالة اسم العدد على آحاده التي تألف ، هو منها دلالة كل على أجزائه . القرافي : الألفاظ قسمان نصوص وظواهر ، فالنصوص لا تقبل المجاز ولا التخصيص ، والظواهر تقبلهما ، والنصوص قسمان : أسماء الأعداد كالعشرة فلا يجوز إطلاقها على أحد عشر ولا على غيرها من الأعداد ، فهذا هو المجاز . وأما التخصيص فلا يجوز أن تقول [ ص: 40 ] رأيت عشرة ثم تبين أنك أردت خمسة ، والتخصيص لا بد أن يبقى معه شيء من معنى العام وهو من المجاز فالمجاز أعم إذ قد لا يبقى معه شيء من المسمى كرأيت بحرا في الجامع ، فإذا قلت رأيت إخوتك مريدا نصفهم فهو تخصيص ومجاز ، وإن أردت مساكنهم فهو مجاز لا تخصيص .

القسم الثاني من النص الألفاظ المختصة بالله تعالى نحو لفظ الجلالة ولفظ الرحمن فلا يجوز استعمالها في غير الله إجماعا .

( وقيدت ) أي صرفت نية الحالف لفظه المطلق إلى بعض أفراده التي يحتملها على البدلية ، والمراد به هنا ما يشمل معناه الحقيقي وهو ما دل على الماهية بلا قيد وجودها في فرد مبهم وهو اسم الجنس كأسد ، والنكرة وهو ما دل عليها بقيد وجودها في فرد مبهم كرجل ، فاللفظ في المطلق والنكرة واحد ، والفرق بينهما بالاعتبار فإن اعتبرت دلالته على الماهية بلا قيد سمي مطلقا واسم جنس ، وإن اعتبرت مع قيد الوحدة الشائعة سمي نكرة وعد القرافي وابن الحاجب والآمدي المطلق والنكرة واحدا . ابن السبكي وعلى الفرق بينهما المناطقة والأصوليون والفقهاء حيث اختلفوا فيمن قال لامرأته إن كان حملك ذكرا فأنت طالق ، فكان ذكرين فقيل : لا تطلق نظرا للتنكير المشعر بالوحدة . وقيل تطلق حملا على الجنس والمشترك اللفظي كعائشة طالق وله زوجتان مسماتان بعائشة وكحلفه لا ينظر لعين مريدا أحد معانيها ( إن نافت وساوت ) .

ابن غازي في هذه العبارة قلق لأن النية التي تنيف أي تزيد والتي تساوي أي تطابق ليست مخصصة ولا مقيدة وإنما المخصصة والمقيدة التي تنقص فالوجه أن يقال : واعتبرت نية الحالف إن نافت أو ساوت وإلا خصصت وقيدت كما قال القاضي في تلقينه بعمل على النية [ ص: 41 ] إذا كانت مما يصلح أن يراد من اللفظ بأن كانت مطابقة له أو زائدة فيه أو ناقصة عنه بتقييد مطلقه أو تخصيص عامه ، ثم قال وذلك كالحالف لا آكل رءوسا أو بيضا أو لا أسبح في نهر أو غدير ، فإن قصد معنى عاما وعبر عنه بلفظ خاص أو معنى خاصا وعبر عنه بلفظ عام حكم بنيته إذا قارنها عرف التخاطب كالحالف لا أشرب لفلان ماء يقصد قطع المن منه فيحنث بكل ما ينتفع به من ماله ، وكذا لا ألبس ثوبا من غزل زوجته بقصد قطع المن دون عين المحلوف عليه ولحسن عبارة التلقين انتحلها صاحب الجواهر إعجابا بها وحول دنها دندن .

ابن عرفة إذ قال : والنية إن وافقت ظاهر اللفظ أو خالفته بأشد اعتبرت وإلا فطرق إلخ ، فلو قال المصنف وخصصت نية الحالف وقيدت كأن نافت أو ساوت بزيادة الكاف والعطف بأو لكان أمثل .

فإن قلت : لعل نافت من باب المنافاة مفاعلة من النفي فيرجع لمعنى النقص وتكون الزائدة والمطابقة أحرى بالاعتبار والمساواة على هذا بمعنى المعادلة في الاحتمال من غير ترجيح ، أي أمكن أن يقصد باللفظ الصادر عنه ما ادعى أنه نواه وأمكن أن لا يقصد على حد سواء ويشفع له محاذاة قول ابن الحاجب ، فإن تساويا قبلت ، وينعشه عطف ساوت بالواو دون أو ، ويكون معنى قوله كأن خالفت كأن لم تساو .

قلت لو لم يكن في هذا من التكلف إلا استعمال ناف في المنافاة التي هي المضادة في مثل هذا المعنى لكان كافيا في عدم صحته ، ولولا خشية السآمة لطرقنا فيه احتمالا آخر والله تعالى أعلم . ا هـ . كلام ابن غازي . عب إن نافت راجع لخصصت من المنافاة أي خالفت نيته ظاهر لفظه ، وأصله نافيت تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ثم حذفت لالتقاء الساكنين قاله الحط ، أي شرط المخصص كونه منافيا للعام فمن حلف لا يأكل سمنا ونوى سمن ضأن فإن نيته لا تخصص لأنها ليست منافية للعام خلافا لابن يونس ، وإن نوى إخراج سمن غير الضأن ليأكله نافت نيته العام فخصصته ، وعلى هذا القرافي [ ص: 42 ] والمقري وابن راشد وغيرهم ، وهل بيمين أم لا ، والأقرب توجهها احتياطا لحق الله تعالى قاله المصنف .

فإن قلت : الحالف في الحالتين قصده عدم أكل سمن الضأن وأكل غيره فلم افترقت نية سمن الضأن من نية إخراج سمن غيره . قلت أشار العز بن عبد السلام للفرق بما حاصله : أن نية إخراج سمن غير الضأن نية منافية ونية سمن الضأن غير منافية . وشرط المخصص المنافاة . البناني ما حمل عليه ز كلام المصنف أصله للقرافي ومن تبعه قاسوا التخصيص بالنية على التخصيص باللفظ في شرط المنافاة ، قال الأصوليون لا يخصص كلام كلاما إلا إذا كان منافيا له كقوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } مع قوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } .

فإن كان غير مناف له كقوله صلى الله عليه وسلم { أيما إهاب دبغ فقد طهر } ، مع قوله صلى الله عليه وسلم وقد مر بشاة ميتة { هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به } فالأصح أنه لا يخصصه بجلد مأكول اللحم ولذا قالوا ذكر الخاص بعد العام بحكمه لا يخصصه فبنى القرافي على هذا الفرق المتقدم جاعلا النية كاللفظ في تفصيله زاعما أن أكثر مفتي عصره جهلوه فيمن قال لا آكل بيضا ونوى بيض الدجاج ، فإن نوى إخراج بيض غيره فلا يحنث إلا ببيض الدجاج وإن لم ينو إخراجه ونوى بالبيض بيض الدجاج حنث بالجميع وهم قالوا : لا يحنث إلا ببيض الدجاج مطلقا ، وهذه طريقة المتقدمين كابن المواز وابن يونس والقاضي وغيرهم ، ففي التلقين فإن قصد معنى عاما وعبر عنه بلفظ خاص أو معنى خاصا وعبر عنه بلفظ عام حكم بنيته ا هـ .

وهذه الطريقة هي الحق وقد رد شيخنا أبو العباس ابن مبارك رحمه الله تعالى ما قاله القرافي بأن قياس النية المذكورة على ذكر الخاص بعد العام بحكمه لا يصح لظهور الفارق وهو أن المخصص المقيس عليه لفظي لم يقارن مخصصه في الزمان لاستحالة النطق بهما دفعة ، والفرض أنه لم يتقدم عليه فبقي ذلك العام على عمومه حتى خصصه المخصص بخلاف المقيس في مسألتنا ، فإن المخصص فيه هي النية ومقارنتها ممكنة بل واجبة إذ لو تأخرت ما [ ص: 43 ] أفادت ، وإذا قارنت أو تقدمت لم يبق العام على عمومه حتى يخصص بها فلم يرد به إلا المنوي فهو عام أريد به خاص وهي المحاشاة فبطل قوله النية هنا مؤكدة في بعض أفراد العام فلا تنفي الحكم عن غيره ا هـ .

ورد أيضا بأن النية أول معتبر في اليمين ثم السبب والبساط ، فإذا اقتضى السبب أو البساط تقييدها أو تخصيصها لدلالتهما على قصد التخصيص أو التقييد ، فاعتبار التقييد والتخصيص المنويان أولى . وقال الشيخ أبو زيد الفاسي والصحيح في النظر أن النية تخصص وإن لم تكن منافية لأن القاعدة الشرعية أن لا ترتب الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات إلا على النيات ، والمقصود وما ليس منويا ولا مقصودا فلا يعتبر ولا يؤاخذ به ، وهذا أمر لا يكاد يجهله أحد من أهل الشرع . ابن الشاط لم يحمل شهاب الدين فيما قاله في هذا إلا توهمه أن حكم النيات كحكم الألفاظ الدالة على المدلولات والأمر ليس كما توهم والله أعلم . وقال السبتي في اختصار الفروق يرد على القرافي أن قوله والله لا ألبس ناويا لكان غافلا عن غيره بمنزلة قوله لا ألبس ثوبا كتانا غافلا عن غيره ، وهذا لا يحنث فيه بغير الكتان إجماعا فكذلك الأول .

ابن مرزوق رد على القرافي جماعة ممن ألف عليه وغيرهم منهم العلامة المحقق أبو موسى الإمام بما يطول جلبه وتأمل كثرة ما وقع من مسائل المذهب أنه لا يحنث بغير ما نوى ولم يقيدوها باشتراط ذلك بأن يتعرض عند نية ما نوى من الأفراد إلى إخراج غيره ، فلو كان ما ذكره صحيحا لنبهوا عليه ، ويقال نية الحالف بعض الأفراد عند اليمين تستلزم [ ص: 44 ] إخراج غيره ، كمن حلف لا دخلت دار فلان ونوى شهرا أو لا أكلت سمنا ونوى سمن بقر ا هـ . فتبين ضعف طريقة القرافي ، وأنه لا ينبغي حمل كلام المصنف عليها كما فعل الحط وز ، ولا سيما المصنف لم يذكرها في التوضيح ولم يشر إليها وإنما ينبغي حمله على الطريقة الأخرى فيفسر نافت بخالفت ، وهي إشارة لقول ابن عبد السلام تخصيص العام يلزم منه مخالفة الظاهر لأن اللفظ يقتضي ثبوت الحكم لصورة أو صور والنية المخصصة تنفيه عنها . ا هـ . فالقيد ليس للاحتراز بل كاشف لصورة التخصيص إذ من ضرورياتها ذلك فالشرط ليس في محله وهذا الحمل هو الذي ارتضاه أبو زيد وبابا وطفي وغيرهم .

طفي هذا أمثل ما يحمل عليه كلام المصنف ، وإن قال ابن غازي فيه قبح استعمال المنافاة وهي المضادة في مثل هذا المعنى لقول الحط لا قبح فيه لوقوعه في عبارة القرافي وابن رشد وغيرهما . قلت وفي اعتراض الحط على ابن غازي نظر لأن القرافي استعمل المنافاة في المضادة في الحكم والمصنف لم يشترط إلا المخالفة الصادقة بما بين العام والخاص مع فقد المنافاة بينهما ، لكن هذا على سبيل المجاراة وإلا فالتحقيق أنها وإن كانت قيدا كاشفا فهي بمعنى المضادة لأنها حيث كانت مخصصة لزمها نفي الحكم عما عدا المنوي ، وهذا مضاد لحكم العام فسقط اعتراض ابن غازي وما انبنى عليه والله أعلم . عب وساوت راجع لقوله وقيدت أي من شرط النية المقيدة للمطلق أن تكون مساوية بأن يكون لفظ الحالف يحتمل ما نواه وغيره على السواء ، فتقبل نيته مطلقا في تقييد المطلق كأحد عبيدي حر ، ويريد ناصحا مثلا ، وفي تعيين أحد محامل اللفظ المشترك كعائشة طالق وله زوجتان كلتاهما اسمها عائشة ، وقال أردت بنت فلان وكلا نظرت عينا وأراد الذهب .

البناني قوله راجع لقوله وقيدت إلخ هذا ظاهر التوضيح ، وعليه جرى الشارح والتحقيق كما ذكره اللقاني وأحمد ، أصله لابن غازي والحط أن المساواة بهذا المعنى معتبرة في تخصيص العام وتقييد المطلق معا ، ويدل عليه قوله بعد كأن خالفت ظاهر لفظه إلخ والمراد الموافقة بين المنوي وظاهر اللفظ إما برجحان كل منهما باعتباري اللغة [ ص: 45 ] والعرف ، وهو المشار إليه بقوله ككونها معه ، وإما في الاحتمالين على حد سواء كما في تقييد المطلق وتبيين المشترك .

وتنازع خصصت وقيدت ( في ) اليمين ب ( الله وغيرها ) ومثل لليمين بغير الله ( كطلاق ) وعتق ومشي لمكة وصوم سنة ، ومثل لتخصيص العام بالنية المساوية فقال ( ك ) نية ( كونها ) أي الزوجة المحلوف لها ( معه ) أي الحالف في عصمته ( في ) حلفه بالله أو بطلاق أو عتق أو مشي لمكة أو صدقة بثلث ماله ( لا يتزوج حياتها ) أي زوجته المحلوف لها ثم بانت منه وتزوج غيرها وقال نويت حياتها معي فتقبل نيته في الفتيا والقضاء مع بينة أو إقرار ، وكون المحلوف به طلاق من تزوجها أو عتق رقيق معين ، وأما زوجة غير الحالف التي حلف لا يتزوج حياتها إذا بانت من زوجها وتزوج الحالف وقال نويت ما دامت مع زوجها فلا تقبل نيته إن كان حلف بطلاق أو عتق معين ، ورفع للقاضي ببينة أو إقرار إلا أن يخاف على نفسه العنت قاله الحط أي وتعذر تسريه .

البناني النية المخصصة لا تكون إلا مخالفة لظاهر اللفظ العام لكن إن عضدها عرف كانت الصيغة من المجمل الذي استوى محملاه مثلا لأنها دائرة حينئذ بين مجاز الراجح والحقيقة المرجوحة بسبب العرف والمختار فيه أنه مجمل كما في جمع الجوامع ونصه ، وفي تعارض المجاز الراجح والحقيقة المرجوحة . ثالثها المختار مجمل . ا هـ . لرجحان كل منهما بوجه فتقبل نية التخصيص في القضاء في الطلاق والعتق المعين ، وإلى هذا أشار بقوله ككونها معه إلخ .

وشبه في قبول التخصيص فقال ( كأن خالفت ) نية الحالف أي المعنى الذي نواه بالعام ( ظاهر لفظه ) أي الحالف العام أي المعنى الذي وضع العام له ، والمراد به بالمخالفة بعد إرادة المعنى المنوي من العام فهو مفهوم قوله وساوت .

وحاصل ما أشار له المصنف أن النية المخالفة لظاهر اللفظ قسمان : بعيدة عن العرف ، ولا تقبل مطلقا كما سيقول لا إرادة معينة إلخ وقريبة ، أما موافقة للعرف فتقبل في الفتيا والقضاء والطلاق والعتق المعين ككونها معه في لا يتزوج حياتها . وأما مخالفة له قريبة فتقبل في الفتوى مطلقا ، [ ص: 46 ] وفي القضاء إلا في الطلاق والعتق المعين ، وهذه هي التي ذكرها هنا .

ومثل لها بقوله ( ك ) نية ( سمن ضأن في ) حلفه بالله أو بالطلاق أو العتق أو غيرها ( لا آكل ) بضم الكاف عقب الهمز الممدود ( سمنا ) فتقبل نيته ولا يحنث بغير سمن الضأن عند المتقدمين كابن المواز وابن يونس وهو الصحيح كما تقدم . عج إذا حمل كلام المصنف على هذا فالمراد بالمنافاة في قوله إن نافت ما يشمل المخالفة بالعموم والخصوص لكن يكون شرط المنافاة في غير محله ، أي غير محتاج إليه ; لأنه بعد فرض أنها مخصصة يصير التخالف بالعموم والخصوص ضروريا ( أو لا أكلمه ) أي الحالف المحلوف عليه وقال نويت شهرا مثلا أو حتى يقدم فلان فظاهر يمينه العموم وادعى ما يخصصها فيصدق في الفتوى مطلقا والقضاء إلا في طلاق وعتق معين .

( وكتوكيله ) أي الحالف على البيع أو الضرب ( في ) حلفه بالله أو الطلاق أو العتق أو غيرها ( لا يبيعه ) أي الحالف الشيء المحلوف عليه أو لا يشتريه ( أو لا يضربه ) أي الحالف العبد مثلا ثم وكل من باعه أو اشتراه أو ضربه ، وقال نويت لا أباشر ذلك بنفسي فتقبل نيته في الفتيا مطلقا وفي القضاء ( إلا لمرافعة ) أي رفع من غير الحالف للقاضي فإن ذهب الحالف للقاضي بدون رفعه له من غيره وذكر له ذلك فهي فتوى كما في التوضيح والمواق .

( وبينة ) شهدت على الحالف بحلفه وحنثه فيه أي معها إن أنكر الحلف ( أو إقرار ) بالحلف وادعى أنه نوى المباشرة بنفسه فلا تقبل نيته المخالفة لظاهر لفظه ( في ) حلفه ب ( طلاق وعتق ) معين ( فقط ) وأما العتق غير المعين فتقبل فيه نيته المذكورة مع الرفع ، ودخل بالكاف حلفه بالله ليعتقن عبيده وقال أردت بعضهم أو أردت بعبيدي دوابي ، أو أردت بالعتق البيع ، والعلاقة بين العبيد والدواب الملك وبين العتق والبيع الإخراج [ ص: 47 ] عنه وحلفه بالله ليعتقن من عبيده ثلاثة ، وقال أردت بيع ثلاث دواب من دوابي وقوله لزوجته هي طالق ثلاثا ، وقال أردت طلاقها للولادة وقوله نساؤه طوالق وله أربع وقال أردت ثلاثا معينة ، فينوي في جميع ذلك في الفتيا لا في مرافعة وبينة أو إقرار ، ولو قال جميع نسائه طوالق ثم قال استثنيت أو حاشيت فلانة نفعه في الفتوى لا إن قال نويت ما عدا فلانة ، ولو قال لرجعية هي طالق ألبتة إن راجعتها ثم أراد نكاحها بعد تمام عدتها وقال نويت ما دامت في العدة صدق في الفتوى ، ولو قال حليمة طالق وله زوجة وأمة تسميان به وقال نويت أمتي صدق مستفتيا ، وأكثر هذه في المدونة قاله في التوضيح .

( أو استحلف ) حلفا ( مطلقا ) عن التقييد بكونه باسم الله تعالى أو غيره أو في القضاء ، أو كون الطلاق منجزا وكذا العتق وسواء كان كاملا أو مبعضا أو آيلا إليه كالتدبير إذا كان في رقبة معينة ، وصلة استحلف ( في وثيقة ) أي توثق في ( حق ) ولو بغير كتابة عطف على معنى إلا لمرافعة ، أي إلا إن رفع أو استحلف في حق فلا تقبل نيته مطلقا لأنها على نية المحلوف له ، وظاهره ولو عند غير حاكم ، ولو حذف السين والتاء ووثيقة بأن قال أو حلف مطلقا في حق لوافق الراجح من أنه لا فرق بين طلب حلفه أو طلب سبب حلفه وهو الحق الذي عنده ، فيحلف أنه ليس عنده حق ومن أنه لا فرق بين كونه بوثيقة حق أم لا ومن أمثلة المسألة من ادعى عليه بوديعة وأنكرها ، وحلف ليس عنده وديعة ونوى حاضرة ، ونوى ربها الإطلاق وحلفه لرب الحق بالحلال عليه حرام محاشيا الزوجة المدخول بها ولم يحاشها رب الحق ، وعقد نكاح على أن لا يتسرى ثم تسرى حبشية وقال نويت من غير الحبش فلا تعتبر نيته في شيء من ذلك عند ابن القاسم والمعتبر نية المحلوف له هذا هو الراجح .

( لا ) تقبل ( إرادة ) أي نية زوجة أو أمة ( ميتة ) أو مطلقة ومعتقة ( أو ) إرادة ( كذب ) ضد الصدق أي إخبار بخلاف ما علمه المتكلم ( في ) قوله إن فعلت أو إن لم [ ص: 48 ] أفعل كذا ففلانة ( طالق أو حرة أو حرام ) وفعل المحلوف عليه أو عزم على عدم فعله في الحنث أو أجله بزمن انقضى بلا فعل فيه وقال أردت فلانة الميتة في الطلاق والعتق ، أو المطلقة في الأول والمعتقة في الثاني وكذبها في حرام فلا تقبل نيته إن رفع للقاضي في الطلاق والعتق المعين ببينة أو إقرار .

بل ( وإن ) كان ( بفتوى ) حيث لا قرينة تصدقه في دعواه إرادة ما ذكر وإلا عمل بها ككونها حية حين يمينه ثم ماتت وادعى أنها المحلوف بها .




الخدمات العلمية