الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبعث فرس وسلاح لمحله إن وصل وإن [ ص: 107 ] لم يصل بيع وعوض كهدي ولو معيبا على الأصح ، وله فيه إذا بيع الإبدال بالأفضل ، وإن كان كثوب بيع ، وكره بعثه وأهدي به [ ص: 108 ] وهل اختلف هل يقومه أو لا أو لا ندبا ، أو التقويم إذا كان بيمين ؟ تأويلات ، [ ص: 109 ] فإن عجز عوض الأدنى ، ثم لخزنة الكعبة يصرف فيها إن احتاجت ، وإلا [ ص: 110 ] تصدق به ، وأعظم مالك أن يشرك معهم غيرهم ; لأنها ولاية منه عليه الصلاة والسلام

التالي السابق


( و ) لزم ( بعث فرس وسلاح ) نذرهما في سبيل الله أو حلف بهما فحنث ( لمحله ) أي الجهاد وليس له إبقاؤه لنفسه وإخراج قيمته ( إن وصل ) أي أمكن وصوله ( وإن [ ص: 107 ] لم يصل ) أي لم يمكن وصوله لعارض أو عدم موصل ( بيع وعوض ) بضم فكسر مثقلا بثمنه في محله أو قربه من نوعه من كراع وهو الخيل أو سلاح مما فيه إنكاء للعدو فإن جعل في سبيل الله ما ليس بفرس وآلة حرب كعبد وثوب بيع ، ودفع ثمنه لمن يغزو به وشبه في البعث إن وصل والبيع والتعويض إن لم يصل فقال ( كهدي ) كقوله هذه البدنة هدي لمكة فيلزمه بعثها لمنى أو مكة إن كانت تصل وإلا بيعت وأرسل ثمنها إلى منى أو مكة يشترى به فيها بدنة أو بدلها ، ويجمع فيه بين الحل والحرم ويلزم بعث الهدي المعين إن كان سليما .

بل ( ولو ) كان ( معيبا ) عيبا مانعا من الإجزاء كعلي هدي هذه البدنة وهي عوراء أو عرجاء أو نحوهما مما لا يهدى ; لأن السلامة إنما تطلب في الواجب المطلق ، فإن لم يصل بيع وعوض سليما ( على الأصح ) وهو قول أشهب . الحط انظر من صححه ، وأشار ب ولو لقول ابن المواز يباع المعين المعيب ويشترى بثمنه سليم ، واتفقا على لزوم سليم إذا لم يعين كعلي هدي أعور ( وله ) أي الناذر ( فيه ) أي الهدي سليما أو معيبا ( إذا بيع ) لتعذر وصوله ( الإبدال ) بالنوع ( الأفضل ) كإبدال كبش ببقرة أو بدنة أو بقرة ببدنة فلا ينافي وجوب إبدال المعيب بسليم ( وإن كان ) المنذور هديه معينا من جنس ما لا يهدى ( كثوب ) وعبد وفرس وسلاح ( بيع ) واشتري بثمنه هدي .

( وكره بعثه ) إما لإيهام تغيير سنة الهدي ; لأنه محصور في النعم فبعث ذلك بعينه يوهم بطلان هذا الحصر أو أن ذلك في سلعة تساوي في موضعها أكثر مما تساوي بمكة ( وأهدي ) بضم الهمز وكسر الدال ليشمل فعل رب نحو الثوب ونائبه ، ويرجع للصورتين [ ص: 108 ] قبله أي قوله بيع ، وقوله وكره بعثه أي فإن بعثه بيع وأهدي به ، هذا ظاهر ما في المدونة هنا وظاهر ما في كتاب حجها وموضع آخر من نذورها : جواز تقويمه على نفسه وإخراج قيمته وهو مذهب العتبية . وإلى كون ما في حجها مع السماع ، وما فيها هنا متخالفين أو متوافقين أشار بقوله ( وهل اختلف ) بضم المثناة وكسر اللام أي حمل ما فيهما على الخلاف ، وكأن قائلا قال له وفي أي شيء اختلف ؟ فقال ( هل يقومه ) بضم المثناة وفتح القاف وكسر الواو مثقلة أي يجوز له أن يقوم ما أمر ببيعه وبعث ثمنه ليهدى به على نفسه كما في المدونة في موضع والعتبية ويبعث قيمته ليهدي بها ( أو لا ) يقومه على نفسه فيلزمه بيعه وبعث ثمنه كما فيها هنا ; لأن تقويمه على نفسه رجوع في الصدقة وهو لا يجوز ، وقابل قوله اختلف بقوله ( أو لا ) أي أو لا يحمل ما فيهما على الخلاف ، بل بينهما وفاق فكأنه قيل له : إذا قيل بالتوفيق فترك التقويم الواقع فيها هنا على أي وجه يحمل ؟ فقال : على أحد وجهين إما أن يقال يترك ( ندبا ) لا وجوبا فلا ينافي ما في العتبية من الجواز ( أو ) يقال ( التقويم ) المجوز في العتبية ( إن كان ) الالتزام ( بيمين ) حنث فيها ; لأنه لم يقصد قربة فلم يدخل في حديث { العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه }

والمنع في المدونة على من التزم بنذر فهو متصدق قاصد القربة ، فدخل في الحديث فيه ( تأويلات ) ثلاثة : واحد بالاختلاف واثنان بالتوفيق ، وبما قررنا علم أن قوله أولا ، الأولى عديلة هل الثانية وأولا الثانية عديلة هل الأولى ، وإنه لم يجر في التوفيق الثاني على نسق الأول وإلا لقال أو إن كان بغير يمين ، واسم كان على هذا الالتزام لا التقويم ، وكان يحذف قوله التقويم . ولو أراد التسهيل لقال : وإن كان كثوب بيع وأهدي به وكره بعثه وفيها مع العتبية له تقويمه على نفسه . وهل خلاف أولا فيباع ندبا أو عند انتفاء يمين تأويلات أفاده عب تبعا لابن غازي ، [ ص: 109 ] ونصه عقب عبارة المصنف كلام معقد كرر فيه هل مرتين قابل كل واحد منهما بأو العاطفة ، ولا النافية على طريق التلفيف ، كأنه قال وهل اختلف أم لا ؟ فقيل له في أي شيء يختلف ؟ فقال هل يقومه على نفسه ، فقيل له : إذا قلنا بترك التقويم فعلى أي وجه ؟ فقال : ندبا ثم كمل التأويل الثالث فقال : أو التقويم إن كان بيمين . هذا ما انقدح لي في تمشيته . ولعلك ينقدح لك أعلى منه على أن استعمال أو معادلة لهل فيه ما فيه عند أهل اللسان ، إلا أنه شائع بين الفقهاء ، وهذا المختصر مشحون به ، وبعد فهمك اللفظ لا يخفاك تنزيل كلام الشيوخ عليه . وجعل ابن عاشر في كلام المصنف أربع تأويلات ، فحمل أولا الثانية إشارة إلى التأويل بأن ما في السماع ، والموضع الآخر تفسير قال ، ولو أراد الجري على مصطلحه لقال وفيها أيضا التقويم وهل خلاف أو لجوازهما . أو ندب البيع أو التقويم إن كان بيمين .

( فإن عجز ) أي لم يبلغ الثمن المبعوث لمحل الجهاد والهدي ثمن مثله ( عوض ) بضم فكسر مثقلا المبيع ب ( الأدنى ) منه كبقرة بدل بدنة أو شاة بدل أحدهما إن أمكن ( ثم ) إن عجز عن الأدنى دفع ثمن آلة الجهاد لمن يغزو به من موضعه ، ولا يشارك به في جزء ودفع ثمن الهدي الذي لا يصل أو ما لا يهدى ( لخزنة ب ) فتح الزاي جمع خازن أي خادم وهم أمناء ( الكعبة ) وأصحاب حلها وعقدها ، ويقال لهم حجبة وسدنة وهم بنو شيبة ( يصرف ) بضم المثناة وفتح الراء ( فيها ) أي مصالح الكعبة كما في الرواية . ولما استشكلت الرواية بأن الكعبة قد لا تحتاج ; لأنها لا تنقض فتبنى ، ولا يكسوها إلا الملوك ويأتيها من الطيب ما فيه كفاية ومكانسها خوص ثمنها لا بال له وبعد الكنس يزيد على ما كان فلم يبق إلا أن تأكله الخزنة . وليس من قصد الناذر في شيء أشار لجوابه بما في كتاب محمد وساقه ابن يونس على أنه تفسير بقوله ( إن احتاجت ) الكعبة للصرف في مصالحها ( وإلا ) أي وإن لم تحتج [ ص: 110 ] تصدق ) بضم المثناة والصاد وكسر الدال ليشمل تصدق الناذر ونائبه حيث شاء ( به ) هذا قول مالك رضي الله تعالى عنه فيها . ابن الحاجب فإن قصر عن التعويض فقال ابن القاسم يتصدق به حيث شاء ، وفيها أيضا يبعثه لخزنة الكعبة ينفق عليهم ، وقيل يختص أهل الحرم بالثمن . ا هـ . والثالث قول أصبغ فهو موافق لابن القاسم في أنه يتصرف به ابتداء ، لكن خالفه بتخصيصه الصدقة بساكني مكة ، والمصنف لم يتبع قول ابن القاسم ، ولا أصبغ خلافا للبساطي كما هو ظاهر ، وإنما تبع القول الثاني وهو قول مالك فيها وقيده ابن المواز بقوله إن احتاجت .

( وأعظم ) أي استعظم ومنع الإمام ( مالك ) رضي الله تعالى عنه ( أن يشرك ) بفتح المثناة تحت والراء ( معهم ) أي خزنة الكعبة ( غيرهم ) في خدمة الكعبة ( لأنها ) أي خدمة الكعبة ( ولاية ) لهم ( منه عليه الصلاة والسلام ) قال المحب الطبري : ولا يبعد أن يقال هذا إذا حافظوا على حرمته ، ولازموا الأدب في خدمته ، وإلا جعل عليهم مشرق وأجمع العلماء على منع أخذهم أجرة على فتح البيت ، وهذا ظاهر لا كما يعتقده بعض الجهلة من أنه لا ولاية عليهم ، وأنهم يفعلون بالبيت ما شاءوا قاله الحط . ونسب المصنف ذلك للإمام ; لأنه فهم أن التشريك نوع من الانتزاع الوارد في خبر هي لكم يا بني عبد الدار خالدة تالدة لا ينتزعها منكم إلا ظالم . وعطف على البدنة من قوله ولزم البدنة




الخدمات العلمية