الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفرار ; إن بلغ المسلمون النصف ولم يبلغوا اثني عشر ألفا [ ص: 153 ] إلا تحرفا [ ص: 154 ] وتحيزا إن خيف

التالي السابق


( و ) حرم ( فرار ) من عدو على مسلم وإن لم يتعين الجهاد عليه أو كان مندوبا ( إن بلغ المسلمون ) الذين معهم سلاح ( النصف ) من عدد الكفار كمائة من مائتين ولو فر الأمير فالمعتبر عند ابن القاسم والجمهور العدد لا القوة والجلد خلافا لابن الماجشون ، وتختص الحرمة بمن فر أولا فإن لم يكن معهم سلاح أو لم يبلغوا النصف فلا يحرم ( ولم يبلغوا ) أي المسلمون ( اثني عشر ألفا ) عطف على مفهوم إن بلغ المسلمون النصف ، وقيد فيه أي فإن لم يبلغوا النصف ولم يبلغوا اثني عشر ألفا جاز الفرار أو الحال أنهم لم يبلغوا اثني [ ص: 153 ] عشر ألفا ، فإن بلغوها حرم ولو كثر الكفار جدا ما لم تختلف كلمتهم وإلا جاز لخبر { لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة إلا أن تختلف كلمتهم } ، وما لم يكن العدو بمحل مدده ولا مدد للمسلمين وإلا جاز . وفي بعض التقاييد محل الحرمة أيضا إذا كان في الاثني عشر ألفا نكاية للعدو . فإن لم يكن فيهم ذلك وظن المسلمون أن الكفار يقتلونهم جاز الفرار انتهى .

فإن كان ظن المسلمين ذلك لكثرة الكفار رجع للتقييد الثاني ، وإن كان لشجاعتهم لم يغن عنه ، والفرار المحرم من الكبائر فتسقط العدالة به فلا تقبل شهادة الفار إلا أن يتوب . ابن عرفة تظهر توبته بثبوته في زحف آخر ، ونازعه الآبي قائلا : بل هي بالندم والإقلاع والعزم على عدم العود كغيره من الكبائر أفاده عب . البناني قوله ولم يبلغوا اثني عشر ألفا ، هذا القيد ذكره ابن رشد ونسبه لأكثر أهل العلم ، ونقله أبو الحسن وسلمه وابن عرفة وابن غازي في تكميله وأقراه ، وهذا يدل على اعتماده وإن كان قد أنكره سحنون ونسبه للعراقيين ، واستبعده ابن عبد السلام ، لكن المصنف عول على ابن رشد ويؤيده حديث { لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة } ، أخرجه الترمذي ، وحسنه وأحمد في مسنده وأبو داود والحاكم وصححه وأقره الذهبي .

وقول " ز " ما لم يكن العدو بمحل مدده ، ولا مدد للمسلمين إلخ لم أر من ذكر هذا القيد هنا وهو غير ظاهر ، وإنما ذكره ابن عرفة فيما إذا بلغ المسلمون النصف ولم يبلغوا اثني عشر ألفا ونصه ابن حبيب لا يحل فرار مائة من ضعفها ولو كان أشد سلاحا وقوة وجلدا إلا أن يكون العدو بمحل مدده ولا مدد للمسلمين ففي التولية سعة ا هـ . وأما الاثنا عشر ألفا فلا يفرون ولو كان العدو أضعاف أضعافهم فضلا عن كونه بمحل مدده ، هذا ظاهر كلامهم . وقول " ز " ونازعه الآبي إلخ فيه نظر إذ ابن عرفة لم يقل إن حقيقة التوبة متوقفة على ثبوته في زحف آخر ، وإنما قال ظهورها يتوقف على ذلك .

( إلا تحرفا ) بفتح المثناة والحاء المهملة وضم الراء مشددة لقتال بأن يظهر الهزيمة [ ص: 154 ] ليتبعه العدو فيرجع عليه فيقتله وهو من مكايد الحرب .

( و ) إلا تحيزا إلى أمير الجيش أو إلى فئة فيتقوى بهم ، وشرط جوازهما كون المتحرف والمتحيز غير أمير الجيش والإمام ، وأما هما فليس لهما التحرف ، ولا التحيز لحصول الخلل والمفسدة به والذي من خصائصه عليه الصلاة والسلام وجوب مصابرة العدو والكثير من غير اشتراط ما هنا ( إن خيف ) العدو أي خاف منه المتحيز أن يقتله خوفا بينا إن كان انحيازه إلى فئة خرجوا معهم ، أما لو كانوا خرجوا من بلد الأمير وهو مقيم في بلده فلا يكون فئة لهم ينحازون إليه قاله الحط . ابن عرفة وفي الموازية لا يحل الفرار من الضعف إلا انحرافا للقتال أو متحيزا لفئة كالانحياز للجيش العظيم أو سرية متقدمة لمتأخرة عنها وقاله عبد الملك رواية لا ينحاز إلا لخوف بين .




الخدمات العلمية