الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

رؤية إسلامية في قضايا معاصرة

الدكتور / عماد الدين خليل

( 7 )

وما هـي إلا شواهد وأمثلة محدودة للمقارنة.. وغير التفسير الحضاري لتوينبي، هـناك مثالية هـيغل، ومادية ماركس، وأنغلز، ودورية اشبنغلر.. إلى آخره. ويستطيع المرء، أن يجد في بعض كشوف هـذه النظريات، مفردات إيجابية قد تلتقي مع المعطى القرآني، في هـذا الجانب، أو ذاك، ولكن هـذا لا يعني، سواء بالنسبة لتوينبي، أم الفلاسفة الآخرين، أن نظرياتهم تلتقي مع المنظور الإسلامي في المنطلقات الأساسية، والخطوط العريضة، والتوجهات الكبرى.. إنها هـنا تتعارض ابتداء.. وهو التعارض، الذي قد يمتد من الطول [ ص: 77 ] إلى الطول، حيث لا لقاء أساسا، بين الإلهي، والوضعي، ولقد أشرنا على بعض هـذه التعارضات، بقدر من التفصيل، في كتاب (التفسير الإسلامي للتاريخ) . إنما نود التأكيد هـنا، على أنه كلما حدث، وأن تم لقاء أو تشابه ما، بين مفردة من مفردات، تلك التفاسير، وبين المنظور الإسلامي، فإن ذلك يجيء تأكيدا لمصداقية هـذا المنظور، وقدرته على الكشف المبكر.. بما أنه صادر عن الله سبحانه، ذي العلم المطلق، والذي لا يخفى عليه شيء، في الأرض، ولا في السماء.

إن الخبرة البشرية، في أنشطتها الوضعية، ليست شرا كلها، وهي ليست نسيجا من الأخطاء، التي يتخللها صواب، كما قد يخيل للبعض.. إنها محاولة للكشف، قد تصل وقد لا تصل.. وهي عندما تصل، تمنح العقل البشري في العالم، إضاءة جديدة، للمسيرة التاريخية، والتشكل الحضاري. فإذا حدث، وأن جاء هـذا الكشف مطابقا للمعطيات القرآنية، وحاول امرؤ ما، أن يؤشر عليه، فليس معنى ذلك، إحالة تلك المعطيات الإلهية، على كشوف الوضعيين واستجداء الرضا والقبول، من أصحابها..

أبدا.. فإن هـذا لا يخطر على البال، لأنه نقيض البداهات الإيمانية ابتداءا، وإنما محاولة التحدث، باللغة التي تقنع حشودا من أتباع المذاهب الوضعية، وأفواجا من المعجبين، بهذه النظرية، أو تلك، في تفسير التاريخ.. وهو كذلك الانسجام، والتوافق، مع منظور الآية الكريمة التي تقول: ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ) (يونس:39) ، والآية الكريمة التي تقول: ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ) (فصلت:53) . [ ص: 78 ]

وإلا فإنه لبدهي بالنسبة للمسلم في الأقل، سبق القرآن في الزمن، على هـذه النظريات، ومصدره الإلهي، ذو العلم المطلق، ولن تكون كل الموافقات، التي تجيء فيما بعد، صادرة عن الجهد الوضعي، بأكثر من تأشيرات، تبين للناس يوما بعد آخر، وأكثر فأكثر، مصداقية هـذا الدين.

( 8 )

أما أخطاء هـذه النظريات الوضعية، وتناقضاتها، ومطباتها، فإننا نجد قبالتها، وبالسهولة، والتدفق نفسه، شواهد القرآن، التي تدين، وترفض، وتستبعد، والتي تقدم، أو هـي قدمت، منذ قرون متطاولة، البدائل التي تتميز بثباتها، وصدقها، وديمومتها، ولقد وقفنا طويلا، عند نماذج عديدة، من هـذا التعارض في كتاب (التفسير الإسلامي للتاريخ) .

وإنما نحب، أن نشير هـنا، مجرد إشارة، قد تغني عن كل تفصيل، كيف أن نظريات التفسير الوضعي للتاريخ، كافة، وقد أقام بعضها دولا، وكسب بعضها الآخر حشودا من الاتباع والمعجبين، ما بين المفكر، والمتلقي، أخذت تتساقط، الواحدة تلو الأخرى، وينفض عنها السامر والجليس، ولن يكون آخرها انهيار وسقوط الماركسية، نظرية وتطبيقا.. إنما هـو قدر الله الذي يمضي أبدا، لكي يبطل، ويمحو، كل ما لا ينسجم، ويتوافق، ويصدر عن علم الله: ( ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ) (الأنفال:8) . [ ص: 79 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية