الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

رؤية إسلامية في قضايا معاصرة

الدكتور / عماد الدين خليل

( 5 )

وسقوط الماركسية، يؤكد مصداقية الدين - عموما - والإسلام بوجه خاص، وضرورته للحياة البشرية، وقدرته على الديمومة، والاستجابة والعطاء، [ ص: 52 ] إلى أن يرث الله الأرض، ومن عليها.. على العكس تماما مما تنبأ به ماركس، ورفيقه أنكلز، وبعيدا عن ربطهما، الذي لا يقوم على أي أساس علمي، أو تاريخي، بين المعطى الديني، والمصالح الطبقية. وهذا السقوط، يجيء في أعقاب تهافت العديد من الفلسفات، والأيديولوجيات الوضعية، كان آخرها تلك الضربة القاضية التي تلقتها (الوجودية) على يد مؤسسها نفسه: جان بول سارتر، والذي صرح لخليلته سيمون دوبوفوار، قبيل وفاته: بأنه يرفضها جملة وتفصيلا، وأنه ليس ثمة من حقيقة باقية إلا الله. إن هـذا السقوط، فضلا عن كل ما ينطوي عليه، من معان ودلالات، ليضرب عرض الحائط، بكل نبوءات واستنتاجات الماركسيين، والموضعيين عموما، أولئك الذي توهموا (الدين) مجرد حالة تاريخية عابرة، وأنه سيجيء اليوم الذي يتخلى فيه عن مهمته، ويخلي فيه المكان للعقل البشري، يخطط، ويبرمج، ويرسم المذاهب، والأيديولوجيات، وينفرد بمصير الإنسان.. بل إن يوما كهذا قد جاء فعلا.

إن سقوط الماركسية، بقدر ما يؤكد هـذا كله، بقدر ما يطرح - في المقابل - تحديا خطيرا أمام الإسلاميين، ربما يكون أشد من تحدي الإلحاد الماركسي نفسه، زمن انتشاره وهيمنته. ذلك أن الأمر يتطلب تحركا سريعا لملء الفراغ، وتأكيد القيم الإسلامية، وتعزيزها، والمضي بالمشروع الإسلامي - الحضاري، في حركة انتشار واسعة، من المحلي إلى العالمي، ومن الآني، إلى المستقبل.. وكسر حواجز الجغرافيا، وعبور أنماط الحصار المذهبي كلها، من أجل الوصول إلى الإنسان في كل مكان، والحديد - بعد - على أشد ما يكون سخونة، والطرق عليه، قد يعيد صياغته، بيسر وسهولة، لكي يتشكل، وفق مطالب الإنسان.. إنه زمن التقدم للعالم كله، بالرؤية أو الحل الإسلامي، إزاء كل مفردة عجزت الماركسية، عن التعامل معها بنجاح.

والهروب عن مجابهة التحديد، سيؤتي أكله السيئ مرتين، ويقود الإسلاميين إلى خسارتين لا خسارة واحدة، أولاهما: تفويت الفرصة المواتية [ ص: 53 ] لملء الفراغ، الذي تركته الماركسية، وسائر الوضعيات، في ضمير الإنسان وعقله وروحه، وفي نسيج حياته الاجتماعية وتطلعاته صوب المصير. وثانيتهما: منح الفرصة نفسها للمحاولات الدينية المحرفة، وبخاصة النصرانية، كي تتقدم بالمطلوب، ولسوف يكون عجزها المؤكد، عن الاستجابة لمطالب الإنسان، فرصة جديدة للوضعية والإلحاد.. في صراع المد والجزر، بين الكفر والإيمان، وهو أمر ليس بمستغرب على سلوكيات الغربيين، الذين طالما تأرجحوا، عبر تاريخهم الطويل، بين الأفعال وردودها، بغض النظر عن مقدار الصدق والاستقامة، والصواب في نسيج تلك الأفعال، أو ردودها على السواء.

إنه زمن التأكيد على واقعية الإسلام، وهندسته المعجزة، ووسطيته، وإيجابيته، وقدرته المرنة على مجابهة كل المعضلات والحالات، بالحجم المطلوب نفسه.. زمن التواصل المكثف، المدروس، مع الحيارى والضائعين في كل مكان.. مع الباحثين عن طريق الخلاص في أقطار العالم الأربعة.

وكما خرج أجدادنا إلى العالم، يوم أن تلقوا الضوء والإشارة، لكي يخرجوا العالم من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان، إلى عدل الإسلام، ومن عبادة العباد، إلى عبادة الله وحده.. فإن على الأحفاد، أن يخرجوا كرة أخرى إلى العالم، بالصيغ والأساليب الموازية لمطالب ومعادلات العصر الذي نعيشه.. لكي يقولوا للإنسان: هـذا هـو الطريق: ( فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) (الروم:30) . [ ص: 54 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية