الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

رؤية إسلامية في قضايا معاصرة

الدكتور / عماد الدين خليل

( 5 )

صحيح أن ثمة صعوبات وعوائق شتى، قد تقف أمام تنفيذ القيم والمعايير الإسلامية، في المجتمع المنشود ... ولكن الإسلام، عرف كيف يعلم أتباعه - ولا يزال - القدرة على الاستجابة للتحديات، ومجابهة العوائق والصعوبات، واجتياز الحواجز، والموانع والمتاريس.. إنه إذ يشعل في عقولهم وأفئدتهم، شرارة الإيمان: بتفوقهم في العالمين، ووسطيتهم في قيادته، وتميزهم - بالكفر الذي يحملون وحده - على العالمين.. يمنحهم من الطاقات الخلاقة، ما يمكنهم من أداء المهمات المطلوبة.. وزيادة.. لقد وصفوا بأنهم: ( يسارعون في الخيرات ) ، وأنهم: ( لها سابقون ) .. والحياة الدنيا حلبة سباق.. والمؤمن الجاد، هـو الذي يسعى دائما، ليس للفوز وحده، ولكن لتحطيم الأرقام السابقة، وتسجيل أرقام قياسية جديدة، كسبا لمحبة الله، وتقربا إليه..

ثم إن المستقبل يتكون لصالح تجربة الإسلام الاجتماعية.. ما ثمة ريب في هـذا.. وإننا لنلمح في (وضع العالم الراهن، تيارين ينحدران صوب المستقبل، وتزداد روافدهما غزارة، كلما توغلا فيه.. وكلاهما يعزز هـذه المقولة، ويجعل من قيام المجتمع الإسلامي، ضربة لازب، في يوم قريب أو بعيد..

فهنالك، في التيار الأول، تراكمات الفشل والخيبة، والمرارة، التي عانت منها، ولا تزال، المجتمعات الجاهلية.. إلى الحد الذي دفع بأبنائها أنفسهم إلى المناداة بضرورة تجاوز المحنة، بالبحث الجاد عن البديل.. وقد أشار بعضهم إلى البديل، فسماه باسمه حينا، وكني عنه حينا آخر.. ولم يستطع آخرون أن يحددوا ملامحه، ولكنهم مصرون عليه.. ولن يكون هـذا البديل، من خلال مواصفاتهم وأمانيهم، سوى الإسلام..

لن يتسع المجال، لتحليل أبعاد الفشل، الذي تعاني منه مجتمعات اليوم، ولا صنوف الخيبة، التي تأخذ بخناقها، ولا طعوم المرارة، التي تملأ حلوقها، وقد [ ص: 124 ] سبق وأن تناولنا هـذه المسألة بالتفصيل في غير هـذا المكان. ولكننا هـنا نكتفي بالإشارة إليها فحسب، باعتبارها إحدى رافدين سيعينان، على إنجاح التجربة ويؤكدان حتميتها..

أما الرافد الآخر، فيتمثل في معطيات العلم ومناهجه، تلك التي تؤكد يوما بعد يوم، ووفق أشد الطرائق (تجريبية) و (اختبارا) حقيقة الألوهية، وتوحدها، وصدق المقولات، التي جاء بها الدين الأخير.. تؤكدها بلسان الحال حينا، وبلسان المقال أحيانا.. وإنها لشهادة قيمة حقا، لأنها تصدر عن أبناء مجتمعات الإلحاد والعلمانية، ولأنها تنبثق عن الأبحاث الميدانية والمختبرات.. إن هـذا الرافد سيمثل في عصر العلم والتجريب، ضمانة من أهم الضمانات، في طريق التحقق بتجربة المجتمع المنشود..

لقد قالها كتاب الله من قبل: ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) (فصلت:53) ، وقالها: ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ) (يونس:39) ..

واليوم يؤكد الرافدان صدق التحليل القرآني، إن المجتمعات المعاصرة ترى بأم أعينها: الخراب والتفكك، والدمار، الذي يعمل في نفوس أبنائها، ثم ما يلبث أن يمتد، لكي يلف العالم كله..

وهي في الوقت نفسه، بدأت تحيط (علما) ، بما كذبت به من قبل عشرات الأجيال.. [ ص: 125 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية