الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

رؤية إسلامية في قضايا معاصرة

الدكتور / عماد الدين خليل

( 5 )

ومنذ اللحظات الأولى، وحتى اكتمال النسيج، كان الإسلام بكتابه العزيز وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، يمضي بالفرد المسلم، والجماعة المسلمة، إلى كسر حواجز المنظور، وتجاوز عتبات العالم، والتحرر من أسر التاريخ، باتجاه الغيب، والكون والخلود.

إنها الدائرة الأشمل، والأوسع، التي تنتهي عندها، وتؤول إليها، سائر الموجات المنداحة من نقطة الوسط، مندفعة إلى ما وراء الراهن الموقوت..

لقد أراد الإسلام، منذ لحظات تشكله الأولى، أن بيني الإنسان الكوني - إذا صح التعبير - فهذه هـي واحدة من مهمات الأديان الكبرى، وهذا هـو أحد الفروق الحاسمة، بينها وبين الوضعيات القاصرة المحدودة، الملتصقة بالأرض، والمتشبثة بالمنظور القريب.

الإنسان الكوني بتجاوزه الظاهر إلى الغيب، والأرض إلى السماء، والدنيا إلى الآخرة، والمادة إلى الروح، والأسر إلى الحرية، والفناء إلى الخلود. [ ص: 60 ]

إن كل المذاهب، والمبادئ، والمحاولات، ما بلغت، وهي تنداح بدوائرها، متسعة، صوب هـذا الجانب، أو ذاك، ما بلغه هـذا الدين، الذي هـو حصيلة الأديان السماوية كلها، ومصدقها وخاتمها، من تجاوز للنسبي إلى المطلق، والمحدود إلى الممتد، والفاني إلى الخالد.. من كسر لحواجز الزمن والمكان، والانطلاق إلى الآفاق الكونية، على امتدادها، في واحدة، من أوسع، وأعمق، حركات الاندياح في التاريخ البشري، وأرحبها فضاء..

ها هـنا، يلتقي كرة أخرى، الفرد والجماعة، وحيث يصير السعي البشري في العالم جهدا مزدوجا، في العمق والعرض، لصياغة حياة إيمانية، يتوغل منظورها الكوني، في ذات كل مسلم، حتى آخر طبقة فيها، ويمتد، ويتسع، لكي يغطي كل مطامح الجماعة المسلمة، وسائر مفردات نشاطها، وعطائها، وإبداعها، بحيث يصير إنجازها الحضاري، علما عليها، مؤشرا على توقها للسماء، وتعبيرا عن اجتيازها الصعب، لكل تحديات البلى والفناء.. لكل العوائق والمتاريس، التي تصد الإنسان، والجماعة البشرية، عن الذهاب إلى آخر نقطة ممكنة في الكون.

لقد انطلق الفاتحون، الذين رباهم نبيهم ومعلمهم عليه أفضل السلام، والذين تلقوا دفعات التوجيه والبناء، في ذوات أنفسهم، وفي علاقاتهم الجماعية على السواء.. انطلقوا وقد اكتملت الأسباب، إلى العالم، وهم يرفعون شعارا واحدا، يحمل مغزاه التحريري الشامل: (جئنا لكي نخرج الناس من جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن عبادة العباد، إلى عبادة الله وحده) .

حقا، لقد كان الخروج بالإنسان، من ضيق الدنيا، إلى سعتها، واحدا من أخطر الخطوات في التاريخ البشري، وأكثرها امتدادا، وإنه ليرتبط ارتباطا وثيقا بالعدل والتوحيد.. العدل بين الإنسان والإنسان.. والتوحيد المطلق لله.. فليس ثمة إلا الله وحده، من يحرر الإنسان، ويعدل بين الجماعات! [ ص: 61 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية