الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

رؤية إسلامية في قضايا معاصرة

الدكتور / عماد الدين خليل

الأفـقـي والعمـقي فـي هـندسـة الحيـاة

( 1 )

تتفوق الحضارة الغربية المعاصرة، في قدرتها على هـندسة العلاقات الأفقية.. تنسيق المفردات - في مستواها الأفقي - ووضع كل منها في مكانه الصحيح، من خطوط الطول والعرض، ومنحه فرصة أكبر للفاعلية، والتحقق. ولعل هـذا - إلى غيره من الأسباب - ما مكن لهذه الحضارة في الأرض، ومد مساحتها في الآفاق.

والذين يذهبون إلى بلدان الغرب، وبخاصة في رحلاتهم الأولى، يلحظون، أول ما يلحظون، هـذا البعد، في الحياة الغربية، فيدهشون له، ويعجبون به، وقد يندفع بعضهم، وربما أكثرهم، إلى اعتناق شعارات وأهداف هـذه الحياة، واتخاذها مثلا أعلى، بعد أن تتم المقارنات الشاملة، بين هـذا، الذي يعيشه الإنسان والمجتمع المتحضر في الغرب، وبين تلك الفوضى، التي تلف العالم الثالث، والشرق الإسلامي، فلا تكاد تبقي على أية علاقة سليمة، صالحة في المنظور الأفقي للحياة.

والذين يرحلون إلى مدن أوروبا وأمريكا، لا يملكون أنفسهم، من الانبهار، وهم يرون شبكة العلاقات، في تلك المدن، تنطوي على ذلك القدر العجيب، المتكامل، الدقيق، من التناسق، والتغطية، والإحكام.. والجمال ! وهم لم يبعدوا، أو ينفصلوا بعد، عما تنطوي عليه العلاقات العامة في بلدانهم - بالمقابل - من سوء، وتفكك، وتناقض، وانحسار، وخلل، وقبح ! فسرعان ما تكتسحهم ردود الأفعال، فيعلنون إعجابهم، وربما انتماءهم، للحياة الغربية، ورفضهم وإدانتهم واستهجانهم لحياة الشرقيين.. ثم يرجعون إلى ديارهم - إذا رجعوا - لكي يعلنوها حربا شعواء، ضد العادات والتقاليد والأعراف، التي قادت إلى هـذه البشاعة، ويطالبوا بالبديل الغربي الجاهز، الذي عاينوه هـناك! [ ص: 35 ]

والذين يرحلون إلى ديار الغرب، ويتجولون في شوارعه ومتنزهاته، ويركبون وسائط نقله، من مكان إلى مكان، ويدخلون أسواقه، وأماكن لهوه، ويراجعون دوائره ومؤسساته، ويتعاملون مع أفراده وجماعاته، تدهشهم أمور كثيرة، عبر هـذا الرحيل اليومي، في نسيج العلاقات العامة للحياة.

وأول ما يدهشهم، تلك الشبكة الدقيقة المحكمة من (الخدمات) ، والقدرة على توصيلها، وتيسيرها لكل إنسان، وبزمن قياسي، قد تبدو معه الخدمات العامة في الشرق، وكأنها تمتطي ظهور الجمال والحمير، لإيصال قرب الماء للأزقة والأحياء.. بينما هـي في الغرب، تتعامل بحسابات السنين الضوئية، في وصولها للمواطنين، وفي اجتيازها لفضاء الكرة الأرضية، من أقصاه إلى أقصاه.

ليست السرعة فحسب، وإنما التغطية الشاملة لكل دقائق وتفاصيل وحاجات الحياة اليومية، المزدحمة المتجددة.

ويجدون، مع هـذا الإحكام الخدمي، صيغة في التعامل الأخلاقي، تتميز بالصدق والجدية والإتقان.. بل إنها تمضي إلى أبعد من ذلك، فتمنح العلاقات عذوبة إنسانية، كنا قد افتقدناها في حياتنا الشرقية، منذ زمن بعيد: اللطف والبشاشة، والكلمة الطيبة، والبسمة الحانية، والنظافة، وإماطة الأذى عن طريق الناس !

ومع المسألة الخدمية، التي تحتل مساحة واسعة، في العلاقات العامة، ومع كافة أبعادها المادية، والفنية، والإنسانية، يجد الذاهبون إلى ديار الغرب، إنجازات مبدعة متنامية في العمران، والتخطيط، والنشاط العلمي، والتكنولوجيا، والتطلع الدائم صوب الكشف، والاختراع، والابتكار، والتجدد، والنمو، والتيسير..

التالي السابق


الخدمات العلمية