الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

رؤية إسلامية في قضايا معاصرة

الدكتور / عماد الدين خليل

( 5 )

تلك شواهد من عبادات الإسلام وآدابه، تؤكدها وتصدقها خبرات البشرية، عبر طريقها الحضاري الطويل.. تبرهن عليها المطالب الملحة للفرد والمجتمع، في كل بيئة وزمن، وتتكشف أكثر فأكثر، ضروراتها الخصبة، الغنية، للحياة الإنسانية، إذا أريد لهذه الحياة، أن تمضي إلى أهدافها، بأكبر قدر من [ ص: 103 ] التوازن والاعتدال، والاستقامة، والصدق، والنظافة، والجمال، والبذل، والانسجام، والعطاء..

إن التقوى والإحسان، الذين يتطلبهما الإسلام، في كل ممارسة فردية أو جماعية، في نسيج الحياة، وعبر صيرورتها الدائمة، إنما هـما جماع هـذه القيم كافة، حث عليها، ودفع إلى الالتزام بها، وتجذيرها في عمق الممارسة البشرية، عن طريق ربطها بالعقيدة، التي هـي قاعدة هـذا الدين، وبالأوامر الإلهية، والتوجيهات النبوية، التي يحاذر كل مسلم، أن يخالف عنها، ما وسعه الجهد.

ولن يتسع المجال، في صفحات كهذه، للانتقال إلى الدائرة الثالثة، دائرة التشريع، سياقاته كافة: السياسة، والحكم، والعلاقات الدولية، والمال، والاقتصاد، والتربية والتعليم.. إلى آخره.. حيث تتكشف كل مفردة من مفرداته الإلهية، والمتألقة، عن المزيد من المصداقية، والقدرة على الاستجابة لمطالب الجماعة البشرية، بأكبر قدر من التغطية، والتوازن، والشمول، والإحكام، وحيث يصير مرور الزمن، وتراكم الخبرة البشرية، والسلسلة الطويلة المحزنة، من تجارب الخطأ والصواب، والتعثر، والمسير، والانحراف، والاستقامة، والسقوط، والنهوض.. حيث يصير هـذا كله، تأكيدا آخر، لأحقية هـذا الدين في التفرد، ولتميز شريعته، وتفوقها في حكم الحياة.. ويكفي أن نتذكر سقوط العديد من العمارات التشريعية الشاهقة، التي شهدها العالم، منبثق بعضها، عن منظور عقيدي، ومنطلق بعضها الآخر، من خبرات الواقع المشهود.. يكفي أن نتذكر سقوط الرأسمالية، والشوفينية، والاشتراكيات الطوباوية، والشيوعية.. إلى آخره.. لكي ندرك كم أن مرور الزمن، يجيء في خدمة هـذا الدين، وكم أن المستقبل، سيكون لهذا الدين!

إن الحديث عن تفوق المفردات الإسلامية، في دائرة التشريع، يطول، وقد [ ص: 104 ] قيل فيه الكثير، وكتب الكثير، ولن يتسع المجال للخوض فيه. ولعل من المفيد طلبا للإيجاز، أن نتذكر مؤلفين فحسب، من بين عشرات، بل مئات المؤلفات، التي تصدر عن العقل الغربي تباعا، مؤكدة جل ما ذكرناه، فأما أولهما: فهو كتاب (إنسانية الإسلام) [1] ، الذي ألفه خبير العلاقات الدولية والقانون الدولي المعاصر (مارسيل بوزار) ، لكي يرى، ماذا فعله الإسلام، وماذا أراد أن يقوله في دائرة العلاقات الدولية والإنسانية عموما.

وأما ثانيهما: فهو كتاب (وعود الإسلام) [2] الذي ألفه المفكر الفرنسي المعروف (روجيه جارودي) ، والذي يستطلع فيه الآفاق المستقبلية الخصبة، الواعدة، التي سيشارك هـذا الدين في صياغتها، وتنفيذها، وحمايتها، من أجل مكانة الإنسان في مستقبل هـذا العالم.

وغير هـذين الكتابين، عشرات ومئات من المؤلفات، التي وقفنا عندها طويلا في كتاب: (قالوا عن الإسلام) [3] . وصدق الله العظيم، القائل في محكم كتابه: ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ) (فصلت:53) . [ ص: 105 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية