الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

رؤية إسلامية في قضايا معاصرة

الدكتور / عماد الدين خليل

( 2 )

لكن هـذا كله - إذا أردنا الحق - ليس سوى وجها واحدا للمسألة، بينما يظل هـناك الوجه الآخر!

والوجه الآخر، هـو البعد العمقي للإنسان والحياة.. [ ص: 36 ]

فالذين يتأملون الغربيين، وهم يركضون برشاقة عبر الشوارع، ويمارسون أعمالهم، والبسمة معلقة على وجوههم، أو يتنزهون، وقد احتضن أحدهم الآخر والتصق به.. يدركون كم أنهم - رغم هـذا كله - غير سعداء! وأن ثمة شيئا ما ينقصهم.. وأنهم يعيشون (السطح) بكل مطالبه وقيمه، ويتمتعون بكل مفرداته، وميزاته، ومعطياته، ولكنهم يفتقدون العمق.. البطانة الروحية، التي تمضي بعيدا باتجاه القلب، والروح، والوجدان.. المحبة التي تتجاوز المنافع العاجلة والعلاقات العابرة، فتصير ديمومة واستمرارا.. الآمال الكبيرة، التي تعبر نسيج الحياة اليومية إلى الأبدية.. السعي الذي يكسر جدار المنظور والملموس، باتجاه السماء البعيدة.. والتعبد الذي يتمرد على الطقوس المتيبسة، والشكليات الخالية من النبض، ويتصل مباشرة بالله، فينتفض، ويخفق، ويطير..

المخدوعون، والمتسرعون، والمأخوذون بظواهر الأشياء، لا يرون أيما شيء من هـذا كله.. لكن الذين يتمعنون جيدا، ويرفضون الوقوف عند حافات الظواهر والأشياء، سيجدون كم ينطوي ديكور الحياة الغربية، المتزين الجميل، على حشود من البؤس والتعاسة، واليأس، والقبح، والشقاء، بسبب من تضحل هـذه الحياة، وتسطحها، وعريها الروحي، وخوائها الوجداني! وكم أن البشاشة المعلقة على الوجوه، والبسمة المرسومة على الشفاه، تخفي حزنا عميقا، وقلقا دفينا.. إنه يرى، ويلمس، كيف أنهم يعيشون حياتهم كاملة، إذا جاز التعبير.. كيف أنهم يشبعون ويرتوون، ويستجيبون لشهواتهم، بالصيغة التي يريدون، وكم أنهم يتكاثرون بالأشياء، ويضعون في دورهم، ودوائرهم، كل ما يخطر، وما لا يخطر على البال، من التيسيرات، ووسائل اللهو، والمتعة، والإشباع.. لكن هـذا كله، لا يتجاوز طبقاته الحسية والجسدية، ولا يعدو مطالب العقل والمنطق، في حدودهما القريبة، ولا يغادر ساحات المنظور والملموس..

إن هـذا كله يتحقق على سطح الحياة الغربية.. في طولها وعرضها، على [ ص: 37 ]

امتدادهما، بينما تظل، في المقابل، فجوة ما، في هـذه الحياة.. حفرة عميقة تنخر في وجدان كل غربي حساس، يملك قدرا من الشفافية، والتوفز العصبي.. يظل ثمة شيء ما ناقصا، في صيرورة هـذه الحياة.. يعذبهم، ويشقيهم، ويجعلهم، رغم صنوف الإشباع، والتيسيرات، والعلاقات المحكمة كلها، غير سعداء! إن المتمعن في وجوه الغربيين، ليستطيع، بغير ما صعوبة، أن يكتشف كم أن الحزن، يتوغل في أعماقهم، ويستطيع - كذلك - أن يضع يديه بالسهولة نفسها على سبب هـذا الحزن كله: إنهم يعيشون على السطح، بينما هـنالك في العمق فراغ مخيف!

التالي السابق


الخدمات العلمية