الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        مثال من السيرة النبوية

        لنتتبع هـذا المثال التوضيحي.. فجعفر بن أبي طالب ، لما أجاب النجاشي ، قال له:

        - " كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار.. " فهذه هـي مجموعة المواريث، المعطلة للطاقة البشرية.. ثم واصل كلمته قائلا:

        - " فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه.. " وهذه هـي مجموعة الأهداف، والمبررات الجديدة، التي تمثل مصدر الطاقة الجديدة. ثم يضيف مؤكدا:

        - " فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به، وحرمنا ما حرم الله علينا، وأحللنا ما أحل.. " فالدلالة واضحة هـنا على تمام عمليات الربط الحضاري، بشكل مستوف للشروط، وذلك على صعيد العينات الفردية، التي ستتحول فيما بعد إلى مجتمع حضاري هـو ( مجتمع المدينة) .

        قال تعالى: ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) (الأنفال:63) .

        إن التحول الذي أحدثه الرسول صلى الله عليه وسلم في نفسية صحابته الكرام، هـو الذي يفسر لنا فيما بعد قدرة هـذا المجتمع على (المرابطة الحضارية) ، والعطاء الإنساني الكبير، في مختلف حقول المعرفة البشرية..

        لقد مارس الرسول صلى الله عليه وسلم عمليات الربط الحضاري، على مستوييها: النفسي، [ ص: 128 ] والاجتماعي، وحقق فيها أعلى مستويات الإتقان المنهجي والثقافي، وترك لنا نموذجا لبناء حضاري عالمي شامخ، بمقدوره أن يقدم لنا ( الهداية الحضارية ) كلما استدعيناه بوعي، وفهمناه بعمق.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية