الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        المنهج النبوي والتغيير الحضاري

        برغوث عبد العزيز بن مبارك

        المغزى الثقافي لميلاد الجماعة التغييرية

        إن ميلاد الجماعة في التاريخ، يعني من جهة، ظهور فكرة جديدة، داخل حركة المجتمع، تكون مسنودة في كل الحالات بقيادة تغييرية، ويعني من جهة أخرى بداية ظهور حركة وجود جديد، ينزع إلى تحدي الوضع القائم، ويسير بشكل معين لتحقيق غاياته، ومضامين عقيدته، من الناحية الواقعية. بمعنى أن الحركة الجديدة، سوف تؤدي إلى (توليد نموذج تربوي) لبناء إنسان جديد، يتبنى الفكرة الجديدة، ويعمل من أجل تحقيقها في حياة الناس. وهذا مما سيؤدي إلى وضع نواة بناء اجتماع بشري، يتميز بخصائص ثقافية معينة، مازالت في حيز القوة. فميلاد الجماعة في التاريخ، هـو عنوان على بداية دورة حضارية، ذات نزوع عقائدي، مخالف لما هـو موجود في لحظات ميلادها. فهذه الجماعة تقوم، وتتحرك، لأنها تشعر بضرورة، وأهمية، وإلزامية حركتها، وذلك بغرض تغيير شرائط واقع، لم يعد قادرا على تقديم دوافع العيش لأفراده، ومؤسساته، وأفكاره المتقادمة، التي تحتاج إلى تجديد، كيما يرتفع وعيها إلى مستوى الأحداث، التي يمر بها (الوعي الجماعي) للمجتمع في صلاته الداخليـة والخارجيـة. ومصيبة (تخلف الوعي) ، عن فهم ومعايشة وقائع حركة العالم، من الإصابات المنهجية، التي تعيشها كثير من المجتمعات المعاصرة، والتي منها المجتمع الإسلامي الراهن.

        إن ميلاد الجماعة من الوجهة الثقافية، دليل على ظهور منهج جديد للسلوك الاجتماعي، وبروز اتجاه فكري يحمل قيما تهدف إلى إعادة بناء المجتمع القائم، وطبعه بطابع آخر لما يتحول بعد إلى نظام ثقافي مولد للسلوك، والنشاط [ ص: 108 ] الاجتماعي. فعندما يصبح ثقافة اجتماعية فذلك إعـلان، على أن الجماعـة قد بدأت رسالتها، ودخلت بذلك إلى ساحة (العمل الحضاري) ، وفي هـذه الحالة تكون القيادة التغييرية، مطالبة بالتنزيل المستديم لمضمون عقيدتها، ووجهتها الحياتية إلى عالم النفوس أولا، ثم إلى عالم المجتمع، الذي ينقله بدوره إلى عالم الثقافة، التي تقوم بتغذية جنين الحضارة، وتمده بلوازم النماء، والنمو، والنضج، والاستمرار. فهذا هـو ميلاد الجماعة في التاريخ (ولكن عندما نتحدث عن ميلاد معين، فإنا نعرفه ضمنا " كحدث " يسجل ظهور شكل من أشكال الحياة المشتركة كما يسجل نقطة انطلاق لحركة التغيير، التي تتعرض لها الحياة، ويظهر هـذا الشكل في صورة نظام جديد للعلاقات بين جماعة معينة.. الجماعة التي تغير دائما خصائصها، بانتاج وسائل التغيير، مع علمها بالهدف الذي تسعى إليه من وراء هـذا التغيير) [1] . فهذا النظام من العلاقات، هـو الذي يشكل المغزى الثقافي للجماعة، التي تريد إنجاز عملية التغيير. (فالتوليد الجماعي المشترك للتاريخ) ليس عملا عفويا، بمقدار ما هـو جهد خاضع لسنن البناء الحضاري، التي تحكم مقاييس السلوك، داخل عالم الأفكار، والأشخاص، والأشياء. إذ (العمل التاريخي بالضرورة من صنع الأشخاص، والأفكار، والأشياء، جميعا، ومعنى هـذا أنه لا يمكن، أن يتم عمل تاريخي إذا لم تتوفر صلات ضرورية داخل هـذه العوالم الثلاثة، لتربط أجزاءها في نطاقها الخاص، وبين هـذه العوالم، لتشكل كيانها العام من أجل عمل مشترك.. وهذا الشرط يستلزم كنتيجة منطقية وجود عالم رابع هـو شبكة العلاقات الاجتماعية) [2] . ونحن نريد أن ندرس المغزى الثقافي لميلاد الجماعة التغييرية في هـذا المستوى، وذلك باستيحاء النموذج النبوي، موضوع هـذه الدراسة. [ ص: 109 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية