الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        المنهج النبوي والنظرة الكلية للمشكلة

        لقد قام النبي عليه الصلاة والسلام بمعاينة المريض الجاهلي، وتشخيص أسقامه على مستويات متعددة، نركز في هـذه الدراسة على مستويين:

        - المستوى الكوني، أي مستوى الرؤية الكونية.

        - والمستوى الاجتماعي، أي مستوى المشروع الاجتماعي.

        أولا: الرؤية الكونية

        لقد حدد النبي عليه الصلاة والسلام ، أزمة ( إنسان ما قبل الإسلام ) في مستواها الكوني عن طريق الوعي القرآني، وأرجعها إلى ( مشكلة غياب الرؤية الكونية الصحيحة ) لقضايا الإنسان، والكون، والحياة، وموضوع كل واحد منها وغاياته، ووظائفه.

        فلم يكن عليه الصلاة والسلام ، ليضع مكان المرض أعراضه، ولا مكان الأعراض أسبابها، ولا مكان الأسباب آثارها، ولم يكن ليغير الواقع الاجتماعي المخرب، قبل تغيير واقع أسبق منه منهجيا هـو (الواقع النفسي) .. ولم يكن ليغير الواقع النفسي، قبل امتلاك نموذج تربوي للتغيير، يستقيه من ( مذهبية كونية) .

        فالنبي عليه الصلاة والسلام يتحرك في وسط بشري، ولكنه موجه بتعاليم الوحي الأعلى الذي دوى صوته من لحظات اقرأ) العالمية التي نشرت صوت الرسالة الخاتمة. فتلك هـي اللحظات التي طبعت وعي النبي صلى الله عليه وسلم للأشياء، وحددت له وجهة التغيير، ومنهجيته. كما صاغت فهمه للحوادث والأفكار، وشيدت إدراكه للسنن الإلهية، وفتحت له سبيل الرشاد، والهداية. ومن هـنا كانت حركته الترشيدية، متصفة بالخصائص الثلاث، التي أشرنا إليها في مدخل [ ص: 111 ] هـذه الدراسة: الوعي المقاصدي، والوعي البلاغي، والوعي السنني. ففي سياق فهمه لطبيعة المرض على المستوى الكوني مثلا، رأى بأن المرض عقائدي متصل بأزمة غياب الرؤية الكونية الصحيحة، التي تهدي نشاط الناس، وتريهم الحق حقا، والباطل باطلا، وتسلك بطاقاتهم على طريق مشروع حضاري، يخدم غاية تنفعهم في دنياهم وأخراهم.

        فطبيعة الأزمة كونية، وتصورية، وهي نتاج لافتقاد النموذج الحياتي السليم، والصحيح، الذي يشكل للناس شرعة، ومنهاجا، يحدد لهم معالم طريق الاستخلاف، ويرسم لهم أبعاد المذهبية التوحيدية، في مستوياتها الأربعة: الخالق سبحانه وتعالى ، والإنسان، والكون، والحياة.

        فهذا الغياب للرؤية الكونية، هـو الذي أنتج (إنسان الفراغ الكوني) الذي لا يملك أجوبة مقنعة، وصحيحة، عن التساؤلات الكونية الكبرى، التي لا تستقيم الحياة البشرية بدونها.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية