الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        مشكلة توجيه العملية التغييرية

        الدارسون لميلاد مجتمع كحدث تاريخي، والمتتبعون لتلك اللحظات الحية التي تهيئ لنشوة اجتماع بشري رسالي، صادر عن عقيدة تغييرية معينة، تحمل في أحشائها مشروعا اجتماعيا تغييريا، يحتاجون في الحقيقة إلى فهم بعض القضايا المتعلقة بجملة من الترتيبات الأولية، ذات الصلة بفلسفة التغيير، ومنهجيته. فانطلاق أي تغيير اجتماعي مشروط ببعض الموجبات الأساسية، التي تمثل في جوهرها (تحديا) واقعيا لحركة التغيير، وعلى رأسها ( القيادة التغييرية ) التي تحمل ( هـم ) توجيه العملية التغييرية، بكل ما تحمله هـذه المهمة من صعوبات، وابتلاءات متنوعة المصادر، ومختلفة الأشكال، ومتباينة الشدة [ ص: 104 ] والقوة. فالعملية تستدعي وعيا معينا، نطلق عليه تسمية ( الوعي الانطلاقي ) الذي يحتاج إلى نظرية في (التوجيه الانطلاقي) وأعني به ( جملة الأفكار والأعمال، والاجراءات، والخطوات المتعلقة بالإجابة عن هـذه التساؤلات: ما مضمون النموذج الجديد، الذي ننتمي إليه؟ وماذا نريد من خلاله؟ وكيف نحقق ما نريده؟ وما هـي الوسائل المطلوبة لذلك ؟ وكيف نتعامل مع الوضع القائم، الذي نريد تغييره؟ وبأي منهجية نعالج قضاياه ؟ فهذه المجموعة من الاستفسارات، بحاجة إلى مخطط، وبرنامج يحدد كل عنصر من عناصرها، ويقدم له الإجابات النظرية، والعملية الكفيلة بحل إشكالاته، وتحقيق متطلباته.

        إن التوجيه في لحظات إنطلاق العملية التغييرية، يختلف حتما عن التوجيه الذي سيأتي بعد إنجاز هـذه الخطوة، بحيث تطرح فيما بعد أنواع أخرى من التوجيه منها: (توجيه المحافظة) على ما حققته الحركة التغييرية من منجزات على مختلف الأصعدة التغييرية، ومنها (التحدي الاستيعابي) الذي يقوم بحل ما يواجه الحركة داخليا وخارجيا من سلوكيات ومواقف، قد تغير مسارها عن مسالكه الصحيحة، ومنها ( التوجيه الاستمراري ) الذي يهدف إلى دفع الحركة لتستمر في خط سيرها الأصيل، وتدوم في حركتها التغييرية مهما كانت التحديات.. ومنها ( التوجيه التقويمي ) الذي يقوم بعمليات التقويم للأزمة، وللأشخاص، والأشياء، والأفكار، في المنعطفات المختلفة للعملية التغييرية.. ومنها ( توجيه التوريث للتغيير ) بمعنى التفكير في مناهج، وكيفيات، ووسائل توريث الرسالة التغييرية بين الأجيال المختلفة، كيما تواصل الحركة فعلها التغييري دونما انقطاع، وتمرد على الأصول.. ومنها ( توجيه تنمية الوعي مع حركة التغيير) وفيها يطلب تجنب تخلف الوعي التغييري عن هـموم المجتمع، ومتطلبات المرحلة، وضرورات الزمان والمكان.. إلخ. فكل هـذه الأنواع من التوجيه وغيرها بحاجة إلى وعي تام، من قبل القيادة التغييرية على الأقل، كيما تتمكن من [ ص: 105 ] خوض معركة البناء، والتغيير بكفاءة.

        فالتوجيه إذن مشكلة من المشكلات الأساسية في أي عمل تغييري، غايته بناء مجتمع على أصول رؤية كونية معينة.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية