الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - المخالف : لو لم يصح - لم يقع ; لأن العاصي مأمور ، وقد علم الله تعالى أنه لا يقع . وأخبر أنه لا يؤمن .

            وكذلك من علم بموته ، ومن نسخ عنه قبل تمكنه . ولأن المكلف لا قدرة له إلا حال الفعل ، وهو حينئذ غير مكلف فقد كلف غير مستطيع .

            ولأن الأفعال مخلوقة لله تعالى . ومن هذين نسب تكليف المحال إلى الأشعري .

            التالي السابق


            ش - قال المخالف : لو لم يصح التكليف بالمحال لم يقع . والتالي باطل فالمقدم مثله .

            بيان الملازمة أن وقوع الشيء فرع إمكانه ، فكل ما لا يكون ممكنا ، لا يكون واقعا .

            [ ص: 418 ] بيان انتفاء التالي من وجوه : منها أن العاصي بترك الفعل مأمور بالإتيان به ، وإلا لم يكن عاصيا بتركه . والإتيان به محال ; لأنه تعالى يعلم عدم وقوعه . وكل ما علم الله تعالى عدم وقوعه ، يمتنع وقوعه ، وإلا لزم جهله ، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا .

            فيكون ما يتركه العاصي ممتنع الوقوع ، وهو مكلف به . فيكون التكليف بالمحال واقعا .

            ومنها : أنه تعالى أخبر أن الكافر لا يؤمن ; لقوله تعالى : سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون وقوله تعالى : لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون فوقوع الإيمان منهم محال ولا يلزم كذب خبر الله تعالى وهو محال . والكافر مكلف بالإيمان فيكون التكليف بالمحال واقعا .

            ومنها : أن الله تعالى كلف من علم بموته قبل تمكنه من الفعل . وكذلك كلف من نسخ عنه الفعل قبل تمكنه منه . وذلك بعينه تكليف بالمحال ، فيكون واقعا .

            ومنها : أن المكلف لا قدرة له على الفعل إلا حال صدور الفعل منه ; إذ لو وجدت القدرة قبل الفعل لكان لها متعلق موجود ; لاستحالة [ ص: 419 ] أن يكون المعدوم مقدورا . وإذا كانت القدرة مع صدور الفعل يكون الفعل قبل صدوره ممتنعا ; ضرورة عدم قدرته عليه . والتكليف بالفعل لا يكون حالة صدور الفعل لاستحالة التكليف بإيجاد الموجود ، فيكون التكليف بالفعل قبل صدوره من المكلف ، ويكون قبل صدوره من المكلف غير مستطيع ، فيكون التكليف به [ تكليفا ] بالمستحيل .

            ومنها : أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ; لقوله تعالى : " والله خلقكم وما تعملون " .

            ولأنه لو كانت مخلوقة للعبد لكان العبد خالقها ، إما بالطبع ، وهو باطل بالإجماع ، أو بالاختيار فيكون عالما بتفاصيل الحركات والسكنات الصادرة منه ; لأنه لا بد وأن يكون مريدا لتفاصيل ما صدر عنه من الحركات والسكنات ، وإلا لم يكن صدور الحركات والسكنات بالاختيار . ويلزم من كونه مريدا لها أن يكون عالما بتفاصيلها ، وليس كذلك ، فلا تكون مخلوقة له ، فتكون مخلوقة لله تعالى . فيكون [ تكليف ] العبد بها تكليفا بما لا قدرة له عليه ; لامتناع وقوع ما وقع بقدرة الله تعالى بقدرة الغير .

            [ ص: 420 ] وذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله إلى أن لا قدرة للفاعل على الفعل إلا حال إيجاد الفعل ، وأن أفعال العبد مخلوقة لله تعالى . ومن هذين نسب التكليف بالمحال إليه ; لأنه يلزم من القول بواحد منهما ، التكليف بالمحال ، فضلا عن القول بهما .




            الخدمات العلمية