الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - قالوا : لو صحت يصح صوم يوم النحر بالجهتين . وأجيب بأن صوم يوم النحر غير منفك عن الصوم بوجه فلا يتحقق جهتان . أو بأن نهي التحريم لا يعتبر فيه تعدد إلا بدليل خاص فيه .

            التالي السابق


            ش - قال القاضي والمتكلمون : لو صحت الصلاة في الدار المغصوبة باعتبار جهتين يصح صوم يوم النحر باعتبار الجهتين . والتالي باطل بالإجماع فيلزم بطلان المقدم .

            بيان الملازمة أن علة صحة الصلاة في الدار المغصوبة تعدد الجهة ، وتعدد الجهة متحقق في صوم يوم النحر ، فيلزم صحة الصوم ، وإلا لزم تخلف المعلوم عن العلة ، وهو محال .

            أجاب المصنف عنه بوجهين : أحدهما : أن الجهتين في صوم يوم النحر إحداهما الصوم ، والأخرى صوم يوم النحر ، وصوم يوم النحر غير منفك عن الصوم ; لأنه خاص ، والخاص لا ينفك عن العام ، فلا يتحقق فيه جهتان يجوز انفكاك كل منهما عن الأخرى ، فيمتنع تعلق الأمر والنهي به ; لأن الأمر [ ص: 388 ] والنهي يجوز تعلقهما بشيء ذي جهتين ، إذا جاز انفكاك أحدهما عن الآخر . والجهتان في الدار المغصوبة جاز انفكاك كل منهما عن الأخرى ; لأن الجهة المتعلقة للأمر هي الصلاة ، والجهة المتعلقة للنهي كون الفعل غصبا . ويمكن أن تتحقق الصلاة بدون كونها في الدار المغصوبة وكذا كون الفعل في الدار المغصوبة يجوز انفكاكه عن الصلاة . فيجوز تعلق الأمر والنهي بالصلاة في الدار المغصوبة .

            بخلاف صوم يوم النحر ، لما بينا من الفرق .

            الثاني : أن [ نهي ] صوم النحر نهي التحريم ، والمنهي عنه نهي التحريم لا يعتبر فيه تعدد الجهتين ، إلا بدليل خاص فيه .

            وإنما قلنا : لا يعتبر في المنهي عنه نهي التحريم تعدد الجهتين ; لأن نهي التحريم يقتضي الانتهاء عن المنهي عنه ، واعتبار تعدد الجهتين يقتضي جواز الإتيان به ، وهما متنافيان .

            فإذا لا يجوز اعتبار الجهتين في نهي التحريم إلا بدليل خارجي . ولما دل الدليل على صحة اعتبار جهة الصلاة ، وهو قوله تعالى : أقم الصلاة ، ودل الدليل أيضا على اعتبار جهة الغصب ، وهو قوله - عليه السلام - : " من غصب شبرا من الأرض طوقه الله يوم القيامة " .

            [ ص: 389 ] اعتبر تعدد الجهتين في الصلاة ، ولم يعتبر في صوم يوم النحر لعدم الدليل .

            وأيضا : الإجماع على سقوط قضاء الصلوات المأتي بها في الأماكن المغصوبة ، دل على اعتبار الجهتين في الصلاة . ولقائل أن يمنع الإجماع .

            وقيل على الوجه الأول : إن النهي عن الغصب بعد الجمع بينه وبين الصلاة يوجب النهي عن الصلاة التي أوقعت فيها .

            وعلى الثاني إن الدليل كما دل على تعدد الجهة في الصلاة فقد دل على اعتبار تعدد الجهتين في صوم النحر ; وذلك لأن قوله تعالى : كتب عليكم الصيام دل على اعتبار جهة وجوب الصوم . ونهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يومي العيد ، دل على اعتبار خصوصية يوم العيد ; فإن الصوم من حيث هو صوم لا مفسدة فيه .

            وقيل على الأول أيضا : إن لصوم يوم النحر جهتين ، كما للصلاة في الأرض المغصوبة : إحداهما : الصوم ، والأخرى : إيقاعه في ذلك [ ص: 390 ] اليوم . فالصوم مأمور به في ذلك اليوم ومنهي عنه . وحينئذ لو صحت الصلاة في الأرض المغصوبة ، لصح صوم يوم النحر . والتالي باطل فالمقدم مثله .

            والجواب عن الأول : لا نسلم أن النهي عن الغصب بعد الجمع يوجب النهي عن الصلاة ، وإنما يلزم ذلك لو لم يجز انفكاك الغصب ، الذي تعلق النهي به ، عن الصلاة ، وهو ممنوع .

            وعن الثاني أن النهي في صوم يوم النحر إنما كان متعلقا بنفس صوم يوم النحر ، ولم يتصور [ انفكاك صوم يوم النحر عن صوم ] . بخلاف النهي عن الصلاة ; فإنه إنما كان متعلقا بالغصب فالغصب يجوز انفكاكه عن الصلاة .




            الخدمات العلمية