الثانية : إذا ، أو قال : غصبت عبدي ، فتلف عندك ، فعليك كذا ضمانا ، أو مزقت ثوبي ، فعليك كذا أرشا ، أو اشتريت منك كذا ، وأقبضتك ثمنه ، أو اشتريت مني كذا ، فعليك ثمنه ، وطالبه بالمدعى ، فليس على المدعى عليه أن يتعرض في الجواب لتلك الجهة ، بل يكفيه أن يقول : لا يستحق علي شيئا ، ولا يلزمني تسليم شيء إليك ، وكذا يكفيه في جواب طالب الشفعة : لا شفعة لك عندي ، أو لا يلزمني تسليم هذا الشقص إليك ؛ لأن المدعي قد يكون صادقا في الإقراض والغصب وغيرهما ، ويعرض ما يسقط الحق من أداء أو إبراء أو هبة ، فلو [ ص: 22 ] نفى الإقراض ونحوه كان كاذبا ، وإن اعترف به ، وادعى المسقط طولب بالبينة ، وقد يعجز عنها ، فدعت الحاجة إلى قبول الجواب المطلق ، ولو قالت المرأة : طلقتني ، فقال : أنت زوجتي ، كفاه وإذا اقتصر المدعى عليه على الجواب المطلق ، وأفضى الأمر إلى الحلف ، حلف على ما أجاب ، ولم يكلف التعرض لنفي الجهة المدعاة ، ولو حلف على نفي الجهة المدعاة بعد الجواب المطلق ، جاز ، ذكره ادعى مالا وأسنده إلى جهة بأن قال : أقرضتك كذا ، وطالبه ببدله البغوي . ولو تعرض في الجواب للجهة ، فقال : ما بايعتك ، أو ما أقرضتني ، أو ما مزقت ، فالجواب صحيح ، إن حلف على وفق الجواب ، فذاك ، وإن أراد أن يقتصر في الحلف على أنه لا يلزمه شيء ، فهل يمكن ، كما لو أجاب كذلك ، أم لا ليطابق اليمين الإنكار ؟ وجهان ، أصحهما : الثاني ، وهو المنصوص . ولو كان في يده مرهون ، أو مستأجر ، وادعاه مالكه ، كفاه أن يقول : لا يلزمني تسليمه ، ولا يجب التعرض للملك ، فإن أقام المدعي بينة بالملك نقل في " الوسيط " عن القاضي أنه يجب عليه تسليمه ، واعترض عليه بأنه قد يصدق الشهود ، ولا يجب التسليم لإجارة أو رهن ، ولو اعترف بالملك ، وادعى رهنا أو إجارة ، وكذبه المدعي ، فمن المصدق منهما ؟ وجهان سبقا في باب اختلاف المتراهنين ، فإن صدقه صاحب اليد فذاك ، وإن صدق المالك - وهو الصحيح - احتاج مدعي الرهن أو الإجارة إلى البينة ، فإن لم توافقه بينة ، وخاف جحود الراهن لو اعترف له بالملك ، فما حيلته ؟ وجهان ، قال القفال : حيلته تفصيل الجواب ، فيقول : إن ادعيت ملكا مطلقا فلا يلزمني التسليم ، وإن ادعيت مرهونا عندي ، فاذكره لأجيب ، وقال القاضي حسين : لا يقبل الجواب المردد ، بل حيلته أن يجحد ملكه [ ص: 23 ] إن جحد صاحبه الدين والرهن ، وعلى عكسه لو ادعى المرتهن ، وخاف الراهن جحود الرهن لو اعترف بالدين ، فعلى الوجه الأول يفصل ، فيقول : إن ادعيت ألفا لي عندك به كذا رهنا فحتى أجيب ، وإن ادعيت ألفا ، فلا يلزمني . وعلى الثاني صارت العين مضمونة عليه بالجحود ، فلمن عليه الدين أن يجحده ، ويجعل هذا بذاك ، ويشترط التساوي ، والوجه الأول أصح ، وبه قطع الفوراني ، وذكر أن المدعى عليه يفصل الجواب أبدا ، ولا يكون ذلك إقرارا بشيء مثل أن يدعي عليه ألفا ، فيقول : إن ادعيت عن ثمن كذا فحتى أجيب ، وإن ادعيت عن جهة أخرى ، فلا يلزمني .
فرع
ادعت على رجل ألفا صداقا يكفيه أن يقول : لا يلزمني تسليم شيء إليها ، قيل للقفال : هل للقاضي أن يقول : هل هي زوجتك ؟ فقال : ما للقاضي ولهذا السؤال ! لكن لو سأل ، فقال : نعم ، قضى عليه بمهر المثل إلا أن يقيم البينة أنه نكحها بكذا ، فلا يلزمه أكثر منه .