الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        له أربع إماء وعبيد ، فقال : كلما وطئت واحدة منكن ، فعبد من عبيدي حر ، وكلما وطئت اثنتين ، فعبدان حران ، وكلما وطئت ثلاثا ، فثلاثة ، وكلما وطئت أربعا ، فأربعة ، فوطئ الأربعة ، فهو كقوله : كلما طلقت امرأة فعبد من عبيدي حر ، إلى آخر التصوير ، وقد سبق في الطلاق ، والصحيح أنه يعتق خمسة عشر عبدا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        اشترى في مرض موته عبدا بأكثر من قيمته ، وكانت المحاباة قدر الثلث ، بأن كان له ثلاثمائة ، واشترى عبدا يساوي مائة بمائتين ، ثم أعتقه ، قال ابن الحداد : وإن لم يوفر الثمن نفذ العتق ، وبطلت المحاباة ; لأن المحاباة كالهبة ، فإذا لم يقترن بها القبض حتى جاء ما هو أقوى منها ، وهو العتق ، بطلت ، ويمضى البيع بثمن المثل ، وعلى البائع أن يقنع به . وإن وفر الثمن ، نفذت المحاباة ، وبطل العتق ; لأن المحاباة ، استغرقت الثلث . قال الأصحاب : هذا غلط ، ولا فرق في المحاباة بين أن يقبض أو لا يقبض ; لأنها تعلقت بالمعارضة ، والمعارضة [ ص: 168 ] تلزم بنفس العقد ، ولها لو حابى المريض ولم يقبض ، ثم أراد إبطالها ، لم يتمكن منه ، بخلاف الهبة ، فالجواب نفوذ المحاباة ، وبطلان العتق ، لتقدمها ، قالوا : وقوله : يلزم البائع أن يقنع بقدر قيمة العبد ، غلط أيضا ; لأنه لم يرض بزوال ملكه إلا بالزيادة ، بل ينبغي أن يقال : له الخيار بين أن ينفذ البيع بقدر القيمة وينفذ العتق وبين أن يفسخه ويبطل العتق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        جارية بين شريكين حامل من زوج أو زنا ، عتق أحدهما نصيبه من الحمل وهو موسر ، ثم وضعته لوقت يعلم وجوده يوم الإعتاق ، وهو لدون ستة أشهر ، فهو حر بالمباشرة والسراية ، وعلى المعتق قيمة نصيب الشريك يوم الولادة ، فإن ألقته ميتا من غير جناية ، فلا شيء على المعتق ، وإن كان بجناية ، فعلى عاقلة الجاني غرة لورثة الجنين ; لأنه محكوم بحريته ، وعلى المعتق نصف عشر قيمة الأم للشريك . هكذا أطلق ابن الحداد ، فقال القفال : إنما يلزم المعتق نصف عشر قيمة الأم إذا لم يزد على قيمة الغرة ، فإن زاد ، لم يلزم إلا نصف قيمة الغرة ، ورأى الشيخ أبو علي الأخذ بالإطلاق ، وأنه يجب نصف عشر قيمة الأم بالغا ما بلغ ; لأن انفصاله مضمونا كانفصاله حيا ; لأن الغرة تصرف إلى الوارث وقد لا يستحق المعتق منها شيئا ، وإنما كان يجب رعاية المناسبة بين الغرمين ، أن لو كان الواجب بالجناية للمعتق ، قال الشيخ : وهذا كله جواب على أن الشراء يحصل بنفس الإعتاق ، فإن [ ص: 169 ] قلنا : يحصل بأداء القيمة ، فإذا وضعت الحمل ، وقوم ووصل نصف القيمة إلى الشريك ، فحينئذ يعتق الباقي .

                                                                                                                                                                        وإن ألقته ميتا بجناية ، فنصفه حر ، وهل يقوم الباقي على المعتق ؟ فيه الخلاف السابق فيما لو أعتق نصيبه ومات العبد قبل وصول القيمة إلى الشريك . فإن قلنا : يسقط التقويم ، فنصفه حر ونصفه رقيق ، فعلى عاقلة الجاني نصف غرة . وإلى من تصرف ؟ فيه الخلاف المذكور في أن من بعضه حر ، هل يورث ، ويجب للنصف المملوك نصف عشر قيمة الأم ، وهل يكون في مال الجاني أم على عاقلته ؟ فيه الخلاف في أن بدل الرقيق تحمله العاقلة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        خلف ثلاثة أعبد ، قيمة كل واحد مائة ولا مال له غيرهم ، فشهد عدلان أنه عتق في مرضه هذين ، فأشار الوارث إلى أحدهما ، فقال : أما هذا فأعتقه ، وأما الآخر ، فلا ، فلا يقبل قوله في إبطال حق الآخر من العتق ، لكن يقرع بينهما ، فإن خرج العتق لمن عينه الوارث ، عتق ورق الآخر ، وإن خرج للآخر ، عتق بمقتضى القرعة التي اقتضتها الشهادة ، ويعتق الآخر بإقرار الوارث . وإن قال الوارث : أعتق مورثي هذا ، ولا أعلم حال الآخر ، أقرع بينهما ، فمن خرجت له القرعة ، عتق ، دون الآخر . ولو شهدا أنه أعتق الثلاثة دفعة وقال الوارث : أعتق هذين دون ذاك ، قال ابن الحداد : يقرع بين الثلاثة ، فإن خرج سهم العتق للذي أنكره الوارث ، عتق ، وتعاد القرعة لإقرار الوارث بين الآخرين ، فمن خرجت له عتق بإقرار الوارث وإن خرجت [ ص: 170 ] أولا لأحد الاثنين اللذين أقر بإعتاقهما ، عتق ، ورق الآخران ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية