الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 241 ] الرابعة : كاتب عبدا ومات عن ابنين ، فهما قائمان مقامه في أنهما إذا أعتقاه أو أبرآه عن النجوم عتق ، وكذا لو استوفياها .

                                                                                                                                                                        ولو أعتقه أحدهما ، أو أعتق نصيبه عتق نصيبه وكذا لو أبرأه أحدهما عن نصيبه من النجوم .

                                                                                                                                                                        وقال المزني : لا يعتق نصيبه بالإبراء حتى يبرئه الآخر ، أو يستوفي منه ، كما لو كان الأب حيا فأبرأه عن بعض النجوم .

                                                                                                                                                                        وأجاب الأصحاب بأن هناك لم يبرئه عن جميع ماله عليه ، وهنا أبرأه الابن عن جميع ماله عليه ، فصار كأحد الشريكين يبرئه عن نصيبه من النجوم ، وهذا الذي ذكرنا من أنه إذا أعتق الابن نصيبه ، أو أبرأه عن نصيبه يعتق ، وهو الذي قطع به الأصحاب .

                                                                                                                                                                        وقال البغوي : مقتضى سياق " المختصر " حصول قولين في عتق نصيبه .

                                                                                                                                                                        أحدهما : العتق ، وأظهرهما : المنع بل يوقف ، فإن أدى نصيب الآخر عتق كله ، والولاء للأب وإن عجز ، فإن كان قد أعتق نصيبه ، عتق الآن نصيبه .

                                                                                                                                                                        ثم إن كان معسرا فله ولاء ما عتق ، والباقي قن للآخر ، وإن كان موسرا قوم عليه الباقي ، وبطلت كتابة الأب ، وكان ولاء الجميع للابن .

                                                                                                                                                                        وإن كان قد أبرأه عن نصيبه من النجوم ، لم يعتق منه شيء بالعجز ؛ لأن الكتابة تبطل بالعجز ، والعتق في غير الكتابة لا يحصل بالإبراء ، والمذهب ما قدمناه عن الأصحاب .

                                                                                                                                                                        فعلى هذا إن كان الذي أعتق نصيبه ، أو أبرأه معسرا ، بقيت الكتابة في نصيب الآخر ، فإن عجز عاد قنا ، وإن أدى وعتق ، فولاؤه للأب .

                                                                                                                                                                        وأما ولاء نصيب الأول فالأصح أنه للأب أيضا . وقيل : للابن ، وقيل : إن أعتقه فله ، وإن أبرأه فللأب .

                                                                                                                                                                        وإن كان موسرا ، فهل يسري العتق إلى نصيب الشريك ؟ إذا قلنا بالأصح ؛ لأن الكتابة لا تمنع [ ص: 242 ] السراية فيه قولان ، أحدهما : نعم ، كما لو كاتبه شريكان ، ثم أعتقه أحدهما ، وأظهرهما : لا ؛ لأن الكتابة السابقة تقتضي حصول العتق بها ، والميت لا يقوم عليه ، والابن كالنائب عنه ، فإن قلنا : يسري ، فهل يسري في الحال ، أو عند العجز ؟ قولان كما سبق في الشريكين .

                                                                                                                                                                        أظهرهما : الثاني فإن قلنا يسري في الحال ، فحكى الإمام وجهين في انفساخ الكتابة فيما سرى العتق إليه ، كما حكاهما في صورة الشريكين ، والذي قطع به الجمهور : الانفساخ فيه ، وإثبات ولائه للمعتق ، وفي ولاء النصف الأول وجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : للمعتق فقط ؛ لأن نصيب الآخر بقي رقيقا ، وأصحهما : أنه لهما لأنه عتق بحكم كتابة الأب ، فيثبت له الولاء ، وينتقل إليهما بالعصوبة .

                                                                                                                                                                        وإذا قلنا : لا تنفسخ الكتابة فيما سرى إليه ، فولاء الجميع للأب ، وإن قلنا : إن السراية تثبت عند العجز ، فإن أدى نصيب الآخر عتق كله ، وولاؤه للأب ، وإن عجز ، فطريقان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : تبطل الكتابة ، ويكون ولاء الجميع له ، وأصحهما : أن ولاء ما سرى العتق إليه ، وقوم عليه له .

                                                                                                                                                                        وفي ولاء النصف الأول الوجهان . وقد يختص الوجهان بصورة الإعتاق . وفي صورة الإبراء يكون ولاء النصف للأب ينتقل إليهما قطعا ، أما إذا قلنا : لا سراية ، فنصيب الآخر مكاتب كما كان .

                                                                                                                                                                        فإن عتق بأداء ، أو إعتاق ، أو إبراء ، فولاء الجميع للأب . وإن عجز بقي نصيبه رقيقا . وفي ولاء نصيب الأول الوجهان ، هل هو له ، أم لهما ؟ ولو قبض أحد الابنين نصيبه من النجوم إن كان بغير إذن الآخر ، فهو فاسد ، وإن كان بإذنه ، فقولان ، كما سنذكره في الشريكين إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        فإن صححنا فقال الإمام : لا سراية بلا خلاف ؛ لأنه يجبر على القبض . ولا سراية حيث حصل العتق بغير اختيار . وفي " التهذيب " أن القول في عتق نصيبه ، وفي السراية كما ذكرنا فيما [ ص: 243 ] إذا أعتق نصيبه ، أو أبرأ عن نصيبه من النجوم بلا فرق .

                                                                                                                                                                        ولمن قال بهذا أن يمنع كونه مجبرا على القبض ، ويقول : له الإعتاق والإبراء ، فإن لم يفعلهما ، فيشبه أن يقال : لا يجبر على الانفراد بالقبض ، وإن جوزناه ؛ لأنه لو عجز عن نصيب الثاني ، قاسم الأول فيما أخذ ، فله الامتناع من قبض ما عسى الثاني أن يزاحمه فيه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        خلف ابنين وعبدا ، فادعى العبد أن أباهما كاتبه ، فإن كذباه صدقا بيمينهما على نفي العلم بكتابة الأب ، فإن حلفا فذاك ، وإن نكلا وحلف العبد اليمين المردودة ثبتت الكتابة ، وإن حلف أحدهما دون الآخر ، ثبت الرق في نصيب الحالف ، وترد اليمين في نصيب الناكل .

                                                                                                                                                                        فإن أقام بينة اشترط رجلان ؛ لأن المقصود الحرية لا المال ، وإن صدقاه ، أو قامت بينة ، فالحكم ما سبق قبل الفرع .

                                                                                                                                                                        وإن صدقه أحدهما ، وكذبه الآخر ، فالمكذب يصدق بيمينه . وأما نصيب المصدق ، فالصحيح ثبوت الكتابة فيه ، ولا يضر التبعيض فيه للضرورة . ثم أطلقوا القول بقبول شهادة المصدق على المكذب ، وقال الإمام : شهادته هذه تثبت له حقوقا ، فإن النجوم موروثة ، فإن شهد بعد الإبراء من النجوم ، فله غرض في السراية .

                                                                                                                                                                        فإن نفينا السراية اتجه القبول ، وإذا حكمنا بأن نصيب المصدق مكاتب والآخر قن ، فنصف الكسب له ، يصرف في جهة النجوم ، ونصفه للمكذب ، وإن اتفقا على مهايأة ، [ ص: 244 ] ليكسب يوما لنفسه ، ويوما للمكذب ، أو يخدمه جاز ، ولا إجبار عليها على الأصح ، ولا تقدير في النوبتين في المهايأة . وقال ابن كج : يجوز يومين وثلاثة ، فإن زاد كسبه فوجهان . وإذا أدى النجوم ، وفضل شيء مما كسب لنفسه ، فهو له .

                                                                                                                                                                        ثم إن أعتق المصدق نصيب نفسه عتق . وفي سرايته طريقان ، قال الأكثرون : قولان كما لو صدقاه ، إلا أنا إذا قلنا بالسراية ثبت هنا في الحال ، ولا يجيء القول الآخر ؛ لأن صاحبه منكر الكتابة ، فلا يمكن التوقف إلى العجز ، وقيل : تثبت السراية في الحال قطعا ؛ لأن منكر الكتابة يقول : هو رقيق لهما ، فإذا أعتق صاحبه ثبتت السراية ، فإن قلنا : لا سراية ، فولاء ما عتق هل يكون بينهما ، أم ينفرد به المصدق ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : الثاني لأن المنكر أبطل حقه بالإنكار ، فإن جعلناه بينهما ، فمات هذا العبد ، ونصفه رقيق ، وقلنا : إن مثله يورث ، وقفت حصة المنكر ، وإن قلنا بالسراية ، فولاء النصف الذي سرى العتق إليه ، للمعتق ، وفي ولاء النصف الآخر الوجهان .

                                                                                                                                                                        ولو أبرأه المصدق عن نصيبه من النجوم ، فالمذهب أنه لا سراية ؛ لأن منكر الكتابة لا يعترف بعتق نصيبه ، ويعتقد الإبراء لغوا ، قال الإمام : ويجيء الخلاف في السراية ؛ لأن قول المصدق مقبول في نصيبه .

                                                                                                                                                                        فإذا أتى بما يقتضي العتق ، فالسراية بعده قهرية ، وإن أدى نصيب المصدق من النجوم ، فلا سراية .

                                                                                                                                                                        وهل يكون ولاء ما عتق لهما ، أم يختص به المصدق ؟ فيه الوجهان .

                                                                                                                                                                        ولو عجزه المصدق عاد قنا ، ويكون الكسب الذي في يده للمصدق ؛ لأن المكذب أخذ حصته . ولو اختلفا في شيء من أكسابه ، فقال المصدق : كسبته بعد الكتابة ، وقد أخذت نصيبك ، [ ص: 245 ] فهو لي ، وقال المكذب : بل قبلها ، وكان للأب فورثنا صدق المصدق ؛ لأن الأصل عدم الكسب قبل الكتابة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية