الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ القول في اختلاف الشهادة في السرقة ] .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو شهدا بأنه سرق من هذا البيت كبشا لفلان فقال أحدهما : غدوة ، وقال الآخر : عشية ، أو قال أحدهما : الكبش أبيض ، وقال الآخر : أسود ، لم يقطع حتى يجتمعا ويحلف مع شاهده أيهما شاء " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اختلفت الرواية في صورة الشهادة ، فرواها بعض أصحابنا أنهما شهدا أنه سرق منه كيسا ، إشارة إلى كيس الدراهم والدنانير .

                                                                                                                                            ورواها أكثرهم أنهما شهدا أنه سرق منه كبشا ، إشارة إلى كبش الغنم ، وهذه الرواية أصح الأمرين :

                                                                                                                                            [ ص: 245 ] أحدهما : أن كيس الدراهم والدنانير شهادة بمجهول ، وكبش الغنم شهادة بمعلوم .

                                                                                                                                            والثاني : أن الشافعي قال في الأم : ولو قال أحدهما : إنه أقرن ، وقال الآخر : إنه أجم ، وقال أحدهما : إنه كبش ، وقال الآخر : نعجة ، وهذا من أوصاف الغنم .

                                                                                                                                            فإذا شهد الشاهدان بسرقة الكبش ، فقال أحدهما : سرقه غدوة ، وقال الآخر : سرقه عشية ، أو قال أحدهما : هو أبيض ، وقال الآخر : هو أسود ، لم تتفق شهادتهما على سرقة واحدة ، لأن السرقة غدوة غير السرقة عشية ، والمسروق الأبيض غير المسروق الأسود .

                                                                                                                                            وحكي عن أبي حنيفة : أن الشهادة بالبياض والسواد غير مختلفة ، لأنه يجوز أن يكون أحد جانبي الكبش أبيض وجانبه الآخر أسود ، فيرى كل واحد منهما ما إلى جانبه فيصفه به ، وهذا ليس بصحيح لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن كل واحد منهما يشهد بصفة جميعه ، وهذا التأويل ينافيها .

                                                                                                                                            والثاني : أنه تأويل شهادة محتملة بما بعد تأويلها ، والشهادة لا يحكم بها إلا مع انتفاء التأويل عنها .

                                                                                                                                            فثبت أن شهادتهما غير متفقة على سرقة واحدة ، فلم تكمل بهما بينة توجب غرما ولا قطعا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية