الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والضرب الثاني : وأن لا يخالف بمعتقده الإجماع ، فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تفضي به المخالفة إلى القدح في بعض الصحابة ، فهو على ضربين :

                                                                                                                                            سب وجرح .

                                                                                                                                            [ ص: 173 ] فإن كان القدح سبا ، فسق به ، وعزر من أجله .

                                                                                                                                            وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من سب نبيا ، فقد كفر ، ومن سب صحابيا فقد فسق " .

                                                                                                                                            وليس من عاصر الرسول صلى الله عليه وسلم وشاهده كان من الصحابة ، وإنما يشتمل اسم الصحابة على من اجتمع فيه شرطان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يتخصص بالرسول صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            والثاني : أن يتخصص به الرسول صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            فأما اختصاصه بالرسول ، فيكون من أمرين .

                                                                                                                                            أحدهما : مكاثرته في حضره وسفره .

                                                                                                                                            والثاني : متابعته في الدين والدنيا .

                                                                                                                                            وليس من قدم عليه من الوفود ، ولا من غزا معه من الأعراب من الصحابة لعدم هذين الشرطين فيهم .

                                                                                                                                            وأما اختصاص الرسول به ، فيكون به بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يثق بسرائرهم .

                                                                                                                                            والثاني : أن يقضي بأوامره ونواهيه إليهم .

                                                                                                                                            ولذلك لم يكن المنافقون من الصحابة لعدم هذين الأمرين فيهم ، فصار الصحابي من تكامل فيه ما ذكرناه ، ومن أخل بها خرج منهم .

                                                                                                                                            وإن كان القدح في الصحابة جرحا ينسب بعضهم إلى فسق وضلال - نظر : فإن كان من أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، صار باعتقاده لفسقه فاسقا مردود الشهادة .

                                                                                                                                            وإن لم يكن من العشرة - نظر : فإن كان من أهل بيعة الرضوان ، صار بتفسيق أحدهم فاسقا : لأن الله تعالى أخبر بالرضا عنهم .

                                                                                                                                            وإن لم يكن من أهل بيعة الرضوان نظر : فإن كان قبل تنازع الصحابة رضي الله عنهم في قتال الجمل وصفين ، صار بتفسيقه للصحابة فاسقا ، مردود الشهادة .

                                                                                                                                            وإن كان قد دخل في تنازع أهل الجمل وصفين ، فقد اختلف أهل العلم من أصحابنا وغيرهم في تنازعهم هل نقلهم عن الحكم المتقدم فيهم أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 174 ] أحدهما : وهو قول أكثرهم ، أنهم على استدامة حكم الرسول فيهم من القطع بعدالتهم في الظاهر والباطن . ولا يكشف عن سرائرهم في رواية خبر ولا في ثبوت شهادة ، استدامة لحكم الصحبة فيهم ، ومن فسق أحدهم كان بتفسيقه فاسقا ، لأنهم في التنازع متأولون .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنهم صاروا بعد التنازع كغيرهم من أهل الأعصار عدولا في الظاهر دون الباطن ، وزال عنهم القطع بعدالتهم في الظاهر والباطن ، فلا تقبل شهادة أحدهم إلا بعد الكشف عن عدالة باطنه .

                                                                                                                                            ومن فسق أحدهم لم يفسق بتفسيقه ، وكان على عدالته في قبول شهادته ، لأنهم انتقلوا بالتنازع عن الألفة إلى التقاطع ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانا " . وقد أحدث التنازع فيهم ما نهاهم عنه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية