الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            القول في شهادة أهل الأهواء .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا أرد شهادة الرجل من أهل الأهواء إذا كان لا يرى أن يشهد لموافقه بتصديقه ، وقبول يمينه ، وشهادة من يرى كذبه شركا بالله ومعصية تجب بها النار أولى أن تطيب النفس بقبولها من شهادة من يخفف المأثم فيها ، وكل من تأول حراما عندنا فيه حد أو لا حد فيه ، لم نرد بذلك شهادته ، ألا ترى أن ممن حمل عنه الدين وجعل علما في البلدان منهم من يستحل المتعة والدينار بالدينارين نقدا ، وهذا عندنا وغيرنا حرام ، وأن منهم من استحل سفك الدماء ، ولا شيء أعظم منه بعد الشرك ، ومنهم من تأول ، فاستحل كل مسكر غير الخمر ، وعاب على من حرمه ، ولا نعلم أحدا من سلف هذه الأمة يقتدى به ، ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا فصل قد اختلط كلام أصحابنا فيه ممن تفرد بالفقه دون أصوله ، فوجب أن تقرر قاعدته ليعلم بها قول المختلفين ، وما يوجبه اختلافهم فيه من تعديل وتفسيق وتكفير .

                                                                                                                                            فنقول : من تدين بمعتقد من جميع الناس - صنفان :

                                                                                                                                            صنف ينطلق عليهم اسم الإسلام . وصنف لا ينطلق عليهم اسمه .

                                                                                                                                            [ ص: 169 ] فأما من لا ينطلق عليهم اسم الإسلام ، فهو من كذب الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يتبعه .

                                                                                                                                            فخرج بالتكذيب وبترك الاتباع من ملته ، فهؤلاء كلهم ينطلق عليهم اسم الكفر ، وسواء من رجع منهم إلى ملة كاليهود ، والنصارى أو لم يرجع إلى ملة كعبدة الأوثان وما عظم من شمس ونار ، وجميعهم في التكفير في رد الشهادة سواء .

                                                                                                                                            وإن فرق أبو حنيفة بين أهل الملل وغيرهم ، فأجاز شهادة أهل الملل بعضهم لبعض ورد شهادة غيرهم .

                                                                                                                                            وأما من ينطلق عليهم اسم الإسلام ، فهو من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم واتبعه ، فصار بتصديقه على النبوة من جملة أمته وبصلاته إلى القبلة داخلا في ملته ، فخرجوا بانطلاق اسم الإسلام عليهم أن يجري عليهم أحكام من لم يجر عليه اسم الإسلام من الكفار ، فهذا أصل .

                                                                                                                                            ثم ينقسم من ينطلق اسم الإسلام عليه ثلاثة أقسام : موافق ، ومتبع ، ومخالف .

                                                                                                                                            وأما الموافق : فهو من اعتقد الحق وعمل به ، فكان باعتقاد الحق متدينا وبالعمل به مؤديا ، فهذا مجمع على عدالته في معتقده وقوله ، مقبول القول في خبره وشهادته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية