الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والضرب الثاني : أن يموت الحادث الموقوف سهمه قبل بلوغه ، فيقوم ورثته فيه مقامه لانتقال حقه إليهم بالموت ، وهكذا لو وقف سهم مجنون حتى يفيق فمات بعد بلوغه وقبل إفاقته قام ورثته مقامه ، فيحلفون ويستحقون أو ينكلون فيرد على أهل الوقف وإذا كان هكذا لم يخل حال وارث هذا الميت من ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يرثه عمومته الثلاثة الذين حلفوا ، فهل يلزمهم في ميراث سهمه أن يحلفوا على استحقاقه له أم لا ؟ على وجهين ، قدمناهما في الوقف المرتب :

                                                                                                                                            أحدها : لا يلزمهم أن يحلفوا ، لأنهم قد حلفوا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يلزمهم أن يحلفوا ، لأنهم حلفوا في حقوق أنفسهم ، وهذه يمين في حق غيرهم ، فإن نكلوا عن هذه لم يستحقوا سهم الميت ، وإن استحقوا سهام أنفسهم .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون ورثة الميت ممن لا مدخل لهم في الوقف كالزوجة والأم والجدة والإخوة والأخوات للأم ، فلا حق لهم في سهمهم الموقوف إلا بعد أيمانهم ، لأنه لما لم يستحقه الميت إلا بيمينه لم يستحقه ورثته إلا بأيمانهم ، فإن حلفوا جميعا استحقوا جميع الموقوف ، وإن حلف بعضهم ، ونكل بعضهم استحق الحالف منهم قدر نصيبه ، ورد نصيب من لم يحلف على الإخوة الثلاثة .

                                                                                                                                            والضرب الثالث : أن يكون وارثه ممن له مدخل في الوقف كموت المجنون عن حمل ولد بعد موته ، فيوقف ما ورثه عن سهم أبيه على يمينه بعد بلوغه ، ويستأنف له وقف سهمه في حق نفسه من أصل الوقف على يمينه بعد بلوغه ، فيصير الموقوف له سهمين : سهم أبيه وسهم نفسه .

                                                                                                                                            [ ص: 98 ] فإذا بلغ ، ففي يمينه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحلف يمينا واحدة على استحقاقه لسهم نفسه ، فيستحق بها سهم أبيه ، وسهم نفسه إذا قيل : إن عمومته لو ورثوه لم يحلفوا ، فإن حلف على استحقاق سهم أبيه استحقه ؟ ولم يستحق سهم نفسه ، لأنه قد يستحق سهم أبيه من ليس من أهل الوقف .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يحلف يمينين ، ويستحق بإحداهما سهم أبيه ، ويستحق بالآخر سهم نفسه ، إذا قيل : إن عمومته لو ورثوه حلفوا .

                                                                                                                                            وإذا كان كذلك ، فله أربعة أحوال :

                                                                                                                                            الأولى : أن يحلف اليمينين فيستحق بهما السهمين .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن ينكل عن اليمينين ، فلا يستحق السهمين .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يحلف على حق أبيه ، ولا يحلف على حق نفسه ، فيستحق سهم أبيه ، ولا يستحق سهم نفسه ، ويخرج أن يكون من أهل الوقف .

                                                                                                                                            والحال الرابعة : أن يحلف على حق نفسه ، ولا يحلف على حق أبيه ، فيستحق سهم نفسه ، ويصير من أهل الوقف ، ولا يستحق سهم أبيه ، ويرد على الإخوة الثلاثة .

                                                                                                                                            فصل : فأما المزني ، فكلامه يشتمل على فصلين ، قد تقدم الكلام عليهما :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الوقف كالعتق الذي يزول به الملك إلى غير مالك ، فلا يجوز أن يحكم فيه بالشاهد واليمين ، كذلك الوقف لا يحكم فيه بالشاهد واليمين فعلق على هذا الفصل حكمين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن جعل الوقف غير مملوك الرقبة ، وهو أحد القولين .

                                                                                                                                            والقول الثاني : هو مملوك الرقبة ، وقد ذكرنا توجيه القولين .

                                                                                                                                            والحكم الثاني : أنه لا يثبت بالشاهد واليمين ، وقد ذكرنا اختلاف أصحابنا فيه ، فعلى قول أبي إسحاق المروزي لا يثبت بالشاهد واليمين كالعتق ، موافقة للمزني فيه . وعلى قول أبي العباس يثبت بالشاهد واليمين ، بخلاف العتق ، وإن لم يملكا ، فخالفه المزني لما ذكره من الفرقين بين الوقف والعتق .

                                                                                                                                            والفصل الثاني : أن الإخوة الثلاثة إذا حلفوا ، وصار بأيمانهم وقفا ، وانتقل إلى غيرهم لم يحلف ، ولا يرد سهم من نكل على الحالفين ، لاعترافهم أنه لا حق لهم فيه ، فعلق على هذا الفصل حكمين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لا يحلف من دخل في الوقف بعد أيمان من تقدمه .

                                                                                                                                            [ ص: 99 ] وقد ذكرنا اختلاف أصحابنا فيه بما أغنى عن إعادته .

                                                                                                                                            والحكم الثاني : أنه لا يرد سهم الناكل على الحالف ، وقد ذكرنا وجوه أصحابنا في موضوع المسألة ، وليس بممتنع أن يرد عليهم ، وإن اعترفوا له بالحق ، لأن امتناعه من اليمين امتناع من القبول ، وتركه لقبول الوقف يجعله فيه كالمعدوم في رده على الموجودين من أهله ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية