[ ص: 204 ] الوجه الحادي والعشرون
أن يقال: بل هو جماع كل كفر، كما قال معارضة أقوال الأنبياء بآراء الرجال، وتقديم ذلك عليها، هو من فعل المكذبين للرسل، في أول كتابه المعروف "بالملل والنحل" ما معناه: أصل كل شر هو من معارضة النص بالرأي، وتقديم الهوى على الشرع. الشهرستاني
وهو، كما قال، فإن الله أرسل رسله، وأنزل كتبه، وبين أن المتبعين لما أنزله هم أهل الهدى والفلاح، والمعرضين عن ذلك هم أهل الشقاء والضلال.
كما قال تعالى: قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى [سورة طه: 123-126] .
وقال تعالى: يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ ص: 205 ] والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [سورة الأعراف: 35-36] .
وقد أخبر عن أهل النار أنهم إنما دخلوها لمخالفة الرسل، قال تعالى: ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس [سورة الأنعام: 128] ، إلى قوله: يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين [سورة الأنعام: 130] .
وقال تعالى: وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين [سورة الزمر: 71] .
وقال تعالى: كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير [سورة الملك: 8، 9] .
ومعلوم أن الكلام الذي جاءت به الرسل عن الله نوعان: إما إنشاء وإما إخبار. والإنشاء يتضمن الأمر والنهي والإباحة، فأصل السعادة تصديق خبره، وطاعة أمره، وأصل الشقاوة معارضة خبره وأمره بالرأي والهوى، وهذا هو معارضة النص بالرأي، وتقديم الهوى على الشرع. [ ص: 206 ]
ولهذا كان ورأيهم، وضلال من ضل من أهل العبادة والفقه في النوع الطلبي، بمعارضة أمر الله الذي هو شرعه بأهوائهم وآرائهم. ضلال من ضل من أهل الكلام والنظر في النوع الخبري، بمعارضة خبر الله عن نفسه وعن خلقه بعقلهم
والمقصود هنا أن معارضة أقوال الرسل بأقوال غيرهم من فعل الكفار، كما قال تعالى: ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد [سورة غافر: 4] ، إلى قوله: وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب [سورة غافر: 5] .
وقال تعالى: وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق [سورة الكهف: 56] .
وقوله تعالى: ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا [سورة غافر 4] ، مصدق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « . مراء في القرآن كفر»