وطريقة لم يسلكها سلفه الفلاسفة ابن سينا كأرسطو وأصحابه، [ ص: 335 ] بل ولا سلكها جماهير الفلاسفة، بل كثير من الفلاسفة ينازعونه في نفيه لقيام الحوادث والصفات بذات واجب الوجود، ويقولون: إنه تقوم به الصفات والإرادات، وأن كونه واجبا بنفسه لا ينافي ذلك، كما لا ينافي عندهم جميعا كونه قديما.
ولكن وأتباعه لما شاركوا ابن سينا الجهمية في نفي الصفات وشاركوا سلفهم الدهرية في القول بقدم العالم كأرسطو وأتباعه، الذين أثبتوا العلة الأولى بحركة الفلك الإرادية، وأن لها محركا يحركها كحركة المعشوق لعاشقه، وهو يحرك الفلك للتشبه بالعلة الأولى، فعدل سلكوا في إثبات رب العالمين طريقا غير طريقة سلفه المشائين، عن تلك الطريقة إلى هذه الطريقة التي سلخها من طريقة أهل الكلام الذين يحتجون بالمحدث على المحدث، وهو لا يقول بحدوث العالم. فجعل طريقته الاستدلال بالممكن على الواجب، ورأى أولئك المتكلمين قسموا الوجود إلى قديم ومحدث، فقسمه هو إلى واجب وممكن، وأثبت الواجب بهذا الطريق، ولكن هذا بناء على أن القديم ممكن وله ماهية تقبل الوجود والعدم. ابن سينا
وهذا مما خالفه فيه جمهور العقلاء من الفلاسفة والمتكلمين وغيرهم، حتى أنه هو تناقض في ذلك، فوافق سلفه وجميع العقلاء، [ ص: 336 ] وصرح بأن الممكن لا يكون إلا ما يقبل الوجود والعدم، ثم تناقض هنا، كما قد بسط في غير هذا الموضع.