قال وأما ابن رشد: الإمام المهدي من [ ص: 299 ] التصريح بنفي الجسمية، فهو الواجب بحسب زمانه، وذلك أن الناس لما اجترأوا على الشرع، وسألوا عما لم يسأل عنه الصحابة، وهل هو جسم أم ليس بجسم؟ إذ هذا السؤال موجود في فطر الناس بالطبع، واشتهر هذا السؤال وفشا في الناس، وكان السبب فيه سؤال من دعي إلى الدخول في الإسلام من سائر الأمم الذين اعتادوا النظر، لم يكن بد لأهل الإسلام من الجواب في ذلك، فأجاب بعضهم في ذلك بجواب خطأ، وهو أنه جسم، وأجاب بعضهم بأنه ليس بجسم، وهو الجواب الصواب، وكثر الاختلاف بينهم ووقع الشك والحيرة، وكفر بعضهم بعضا. ما حصله
قال: ولما كانت خاصة الإمام المهدي رفع الاختلاف بين الناس، أتى مقررا لنفي الجسمية عنه سبحانه، وكفر المثبت [ ص: 300 ] للجسمية، وهو شيء جرى من فعله في الشرع في وقته -وبحسب الناس الذين وجد فيهم- مجرى التتميم والتبيين، والله يختص بفضله من يشاء.
قلت: ولقائل أن يقول: في هذا الكلام من المداهنة والمصانعة لأتباع ما لا يخفى. والمقصود العلمي أن يقال: هذا باطل من وجوه: ابن التومرت
أحدها: أنه قد أسلم على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من الأمم، ودعي إلى الإسلام من أصناف الأمم، من لا يوجد بعدهم مثلهم في الحذق والنظر، فإن الصحابة دعوا أكمل الأمم: العرب، والعبرانيين، والروم، والفرس، ومن دخل في هؤلاء من القبط والنبط، وفتحوا أوسط الأرض، وكل من دعي -أو أسلم- بعد هؤلاء، كالترك، والديلم، والبرير، والحبشة، وغيرهم، فإنهم دون هؤلاء في الفضل.
ومن المعلوم أن فلسفة اليونان والهند ونحوهم كانت موجودة إذ ذاك كوجودها اليوم وأكثر؛ إذ كانت اليونان موجودين قبل مبعث المسيح، وكان أرسطو وملكه الإسكندر بن فليبس قبل المسيح بنحو [ ص: 301 ] ثلاثمائة سنة، وآخر ملوكهم بطليموس، الذي دخل النصارى عليهم.