وهؤلاء -كما ذكرت- انقسموا إلى أصحاب نظر وفكر وبحث واستدلال، وأصحاب إرادة وعبادة وتأله وزهد، فكان منتهى أولئك الشك، ومنتهى هؤلاء الشطح. فأولئك يشكون في ثبوت واجب الوجود، أو يعجزون عن إقامة الدلالة عليه.
وإذا لم يكن في الوجود واجب لم يوجد شيء فتكون الموجودات كلها معدومات، فيفضي بهم سوء النظر إلى جعل الموجودات معدومات، أو تجويز كونها معدومات، وجعل الموجود الواجب ممكنا، وجعل الواجب ممكنا غاية التعطيل.
والآخرون يجعلون ولا مفتقر إلى غيره، ولا محتاج إلى سواه، فلا يكون في الوجود ما وجد بعد عدمه، ولا ما عدم بعد وجوده، وهذا فيه من جعل المعدوم موجودا، ومن جعل الممكن واجبا، وجعل العبد ربا، وجعل المحدث قديما، ما هو غاية الكفر والشرك والضلال. كل موجود واجب الوجود، ويجعلون وجود كل موجود هو نفس وجود واجب الوجود، فلا يكون في الوجود وجود هو [ ص: 265 ] عندهم مخلوق ولا مصنوع،