ولهذا لما وبين عجزهم عن إثبات كون كل جسم ممكنا، كما اعترفوا بأنه ليس كل جسم محدثا، أبو حامد الغزالي قال: (فإن قيل: إن الدليل على أن الجسم لا يكون واجب الوجود أنه إن كان واجب الوجود [ ص: 226 ] لم يكن له علة: لا خارجة عنه ولا داخلة فيه، فإن كانت له علة لكونه مركبا، كان باعتبار ذاته ممكنا، وكل ممكن مفتقر إلى واجب الوجود) . ناظرهم
أجاب بأن البرهان لم يقم على إثبات واجب الوجود بالتفسير الذي ادعيتموه، وإنما قام بمعنى أنه ليس له علة فاعلة، وأما كونه ليس له علة مادية أو صورية، فلم يقم دليل على واجب الوجود بهذا الاعتبار.
قال: (وكل تلبيساتهم في هاتين اللفظتين) : واجب الوجود وممكن الوجود (فلنعد إلى المفهوم وهو نفي العلة) (يعني العلة الفاعلة) وإثباتها، فكأنهم يقولون: إن هذه الأجسام لها علة أم لا علة لها؟ فيقول الدهري: لا علة لها، فما المستنكر؟ وإذا عنى بالإمكان والوجوب هذا، فنقول: إنه واجب وليس ممكنا. وقولهم: [ ص: 227 ] الجسم لا يكون واجبا تحكم لا أصل له) .
قال (قد تقدم من قولنا: إنه إذا فهم من واجب الوجود ما ليس له علة، وفهم من ممكن الوجود ما له علة، لم تكن قسمة الموجود بهذين الفصلين، معترفا بها، فإن للخصم أن يقول: ليس كما ذكر، بل كل موجود لا علة له. لكن إذا فهم من واجب الوجود: الموجود الضروي، ومن الممكن: الممكن الحقيقي، أفضى الأمر - ولا بد - إلى موجود لا علة له، وهو أن يقال: كل موجود فإما أن يكون ممكنا أو ضروريا، فإن كان ممكنا فله علة، فإن كانت تلك العلة من طبيعة الممكن، تسلسل الأمر، فيقطع التسلسل بعلة ضرورية، ثم يسأل في تلك العلة الضرورية: إذا جوز أيضا أن يكون من الضروري ما له علة وما ليس له علة، فإن وضعت العلة من طبيعة الضروري الذي له علة لزم التسلسل، وانتهى الأمر إلى علة ضرورية ليس لها علة) . ابن رشد:
قال: (وإنما أراد أن يطابق بهذه القسمة رأي ابن سينا الفلاسفة في الموجودات، وذلك أن الجرم السماوي عند الجميع من الفلاسفة هو [ ص: 228 ] ضروري بغيره. وأما: هل الضروري بغيره فيه إمكان بالإضافة إلى ذاته؟ ففيه نظر ولهذا كانت هذه الطريقة مختلة إذا سلك فيها هذا المسلك، فأما مسلكه فهو مختل ضرورة، لأنه لم يقسم الموجود أولا إلى الممكن الحقيقي والضروري، وهي القسمة الموجودة بالطبع للموجودات) .