والجمهور من أهل الهيئة يقولون: المتحرك هو الأفلاك، وإن [ ص: 267 ] الحركة المشرقية هي حركة المحيط بما فيه، وسواء كان الأمر كذلك أو لم يكن، فليست حركة كل كوكب وفلك تابعة لحركة المحيط، بل الحركات مختلفات وإذا كان كذلك امتنع أن تصدر هذه الحركات المختلفة عن واحد بسيط لا يصدر عنه إلا واحد، سواء صدرت بواسطة أو بغير واسطة.
وأما صدور المختلفات عن ما لا يصدر عنه إلا واحد بلا واسطة، فهو جمع بين النقيضين، وقول متناقض.
وأما الصدور بواسطة، فتلك الواسطة يجب أن لا تكون إلا واحد عن واحد، فإذا قدر أن الأول واحد بسيط لا يصدر عنه إلا واحد، وإلا كان قولا متناقضا، فإنه إذ صدر عنه ما فيه كثرة، فقد صدر عنه أكثر من واحد، وإن لم يكن في الصادر كثرة، وجب أن لا يصدر عن الصادر الأول إلا واحد، وهلم جرا، وهذا خلاف المشهود.
وما يلفقونه في هذا المقام من قولهم: إن الأول يعقل مبدعه ويعقل نفسه، وأنه باعتبار عقله للأول صدر عنه عقل، وباعتبار عقله لنفسه صدر عنه نفس أو فلك، أو باعتبار وجوبه بالأول صدر عنه عقل، وباعتبار إمكانه صدر عنه نفس أو فلك، أو باعتبار عقله صدر كذا أو كذا، وباعتبار وجوبه أو إمكانه صدر كذا أو كذا، أو مهما قالوه [ ص: 268 ] من الأقوال التي يقدرها الذهن في هذا المقام، فهي مع كونها أقوالا لا دليل عليها، وإنما هي تحكمات ورجم بالغيب، بل والدليل يقوم على فسادها، فلا يحصل بها جواب عما يدل على فساد أصلهم، فإن تلك الوجوه إما أن تكون أمورا وجودية أو عدمية، فإن كانت وجودية، فقد صدرت عن الأول، فقد صدر عنه أمور متعددة أكثر من واحد بلا واسطة، وإن كانت عدمية لا يخرج الصادر الأول عن أن يكون واحدا بسيطا، وحينئذ فلا يصدر عنه إلا واحد.
يبين ذلك أن كثرة السلوب العدمية إن أوجبت كثرة، فالأول فيه كثرة لكثرة ما يسلب عنه، وإن لم توجب كثرة فلا كثرة في الصادر الأول بأمور عدمية، فلا يصدر عنه إلا واحد، وهلم جرا.