إحداهما: الإقرار بمعرفة الله تعالى، وهي العهد الذي أخذه عليهم في أصلاب آبائهم، حين مسح ظهر آدم، فأخرج من ذريته إلى يوم القيامة أمثال الذر، وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم؟ قالوا: بلى، فليس أحد إلا وهو يقر بأن له صانعا ومدبرا، وإن سماه بغير اسمه.
قال تعالى: ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله [سورة الزخرف:87]، فكل مولود يولد على ذلك الإقرار الأول).
قال: (وليس الفطرة ها هنا الإسلام، لأمرين:
أحدهما: أن معنى الفطرة: ابتداء الخلقة. ومنه قوله تعالى: فاطر السماوات والأرض [سورة فاطر:1]، أي: مبتدئهما. وإذا كانت الفطرة هي الابتداء، وجب أن تكون تلك هي وقعت لأول الخلق، وجرت في فطرة المعقول، وهو استخراجهم ذرية، لأن تلك حالة ابتدائهم، ولأنها لو كانت الفطرة هنا: الإسلام لوجب إذا ولد من بين أبوين كافرين ألا يرثهما ولا يرثانه، ما دام طفلا، لأنه مسلم، ولوجب ألا يصح استرقاقه، ولا يصح إسلامه بإسلام أبيه، لأنه مسلم) . واختلاف [ ص: 360 ] الدين يمنع الإرث،
قال: (وهذا تأويل ذكره في إصلاح الغلط على ابن قتيبة، أبي عبيد، وذكره في الإبانة. أبو عبد الله ابن بطة
قال: (وليس كل من ثبت له المعرفة حكم بإسلامه، كالبالغين من الكفار فإن المعرفة حاصلة لهم وليسوا بمسلمين).
قال: (وقد أومأ إلى هذا التأويل في رواية أحمد فقال: الفطرة الأولى التي فطر الله عليها، فقال له الميموني، الفطرة: الدين؟ قال: نعم) . الميموني:
قال القاضي: (وأراد بالدين: المعرفة التي ذكرناها) . أحمد
قال: (والرواية الثانية: الفطرة هنا: ابتداء خلقه في بطن أمه) .
قال: لأن حمله على العهد الذي أخذه عليهم، وهو الإقرار بمعرفة الله تعالى، حمل للفطرة على الإسلام، لأن الإقرار بالمعرفة إقرار بالإيمان، والمؤمن مسلم) .
قال: (ولو كانت الفطرة الإسلام لوجب إذا ولد بين أبوين كافرين ألا يرثهما ولا يرثانه، لأن ذلك يمنع أن يكون الكفر خلقا لله، وقد ثبت من أصولنا أن أفعال العباد خلق لله عن طاعة ومعصية) . [ ص: 361 ]
قال: (وقد أومأ إلى هذا في رواية أحمد علي بن سعيد، وقد سأله عن كل مولود يولد على الفطرة، فقال: على الشقاوة والسعادة.
وكذلك نقل محمد بن يحيى الكحال، أنه سأله عن كل مولود يولد على الفطرة، قال: هي التي فطر الناس عليها: شقي أو سعيد.
وكذلك نقل عنه، قال: الفطرة التي فطر الله العباد من الشقاء والسعادة) . حنبل
قال: (وهذا كله يدل من كلامه على أن المراد بالفطرة ها هنا: ابتداء خلقه في بطن أمه) .