قلت: فهذا الكلام يوافق قول من قال: خلقهم على الفطرة، التي هي المعرفة والإقرار بالصانع، وأن ذلك لا يصير به العبد مؤمنا ولا كافرا، وقد أبطل من يقول: إنهم خلقوا على الكفر والإيمان، وهو ظاهر القول الذي تقدم عن طائفة من العلماء. وصاحب هذا الكلام يقول: الذي خلقوا عليه من المعرفة والإقرار لا يمكن تغييره. وهذا موافق لقول من قال: لا تبديل لخلق الله - إنها بمعنى الخبر. لكن ذاك يقول: إنهم لا يخلقون إلا على الفطرة، لا يبدل الخلق، فيخلقون على غير ذلك.
وصاحب هذا الكلام يقول: يبدل الخلق بعد ذلك، أي: لا يمكن أن يصيروا غير عارفين مقرين بالخلق، بل هذه المعرفة والإقرار أمر لازم لهم، وهو يقول: وينكر أن يكونوا جبلوا على ذلك واضطروا إليه أو جبروا عليه. كل ما خلق عليه العبد فلا يمكن انتقاله عنه، وهو يثبت القدر، وأن الله خالق أفعال العباد،
فأما الكلام في الجبر فهو مبسوط في غير هذا الموضع، وقد بينا أن مذهب الأئمة، كالأوزاعي والثوري وغيرهم، أنهم ينكرون إثبات الجبر ونفيه معا. ومذهب وأحمد بن حنبل الزبيدي وطائفة: نفي الجبر [ ص: 502 ] وإنكار إثباته فقط، وهو موافق لهذا الكلام.
وأما ما حكاه ونحوه: أن الله لا يجبر على طاعة ولا معصية - فهو حكاه بحسب ما بلغه واعتقده. والمنصوص الصريح عنه الإنكار على من قال: جبر. وعلى من قال: لم يجبر. أحمد
وفي الجملة الكلام في هذا الباب له موضع آخر. والمقصود هنا ما ذكره في تفسير الفطرة، وأنه فسر ذلك بأن الخلق فطروا على المعرفة والإقرار.
وأما قوله: (إن ذلك ليس بإيمان، وإن ذلك لا يمكن تحويله) فقد قدمنا الكلام على ذلك، وبينا أن النصوص تدل على أن ما ولدوا عليه يتغير، وإن كان ذلك بقضاء الله وقدره، كما تغير الشاة المولودة سليمة بجدع الأنف والأذن. والمقصود هنا كلامه في أن المعرفة بالصانع فطرية ضرورية، وقد بسط ذلك مستوفيا في أول كتابه.
وهذا الشيخ أبو محمد بن عبد البصري المالكي، طريقته طريقة أبي الحسن بن سالم وأمثالهما من المنتسبين إلى السنة والمعرفة والتصوف، واتباع السلف وأئمة السنة والحديث، وأبي طالب المكي، كمالك وسفيان الثوري وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأمثالهم. وكذلك ينتسبون إلى وأحمد بن حنبل وأمثاله من الشيوخ. [ ص: 503 ] سهل بن عبد الله التستري